من الممكن أن يكون إعلان العربية السعودية يوم الإثنين الماضي عن عزمها إجراء انتخابات للمجالس البلدية في غضون سنة واحدة الهزة الأولى في زلزال الشرق الأوسط الذي يتحرك الآن بخطى بطيئة·
لكن أولاً لابد من بعض الإيضاحات دفعاً لسوء الفهم: فنحن لا نمتلك كل التفصيلات عن ذلك الأمر حتى الآن؛ ومن الممكن ألا يرقى هذا، كما هي حال الأمور معظم الأحيان في الشرق الأوسط، إلى مستوى التوقعات المسبقة· وما زالت أمامنا فترة سنة، وهي فترة طويلة؛ ثم إن المبادرة قد يجري تفصيلها؛ وقد لا تكون الانتخابات نزيهة وحرة كما ورد في الوعود؛ ونحن لا ندري ما إذا كانوا سيسمحون للنساء هناك بالتصويت؛ ثم إن الإعلان لا يشكل سوى خطوة صغيرة·
لكن الإعلان السعودي يبقى على رغم ذلك ذا شأن كبير جداً، وينبغي على الساخرين والمتشككين أن يلاحظوا جيداً أن التحركات نحو التحويل الديمقراطي في السعودية أكبر شأناً حتى من الاضطراب التعددي في العراق، وأنها تحركات من شأنها أن تطلق موجات التأثير إلى أرجاء الشرق الأوسط برمته·
وباعتبار أن السعودية الدولة الأكثر محافظة بين الدول العربية، فإن القرار الذي اتخذته الرياض لبدء عملية التحويل الديمقراطي قد شرع الآن، مهما يكن تدريجياً، في إرغام الكثير من العرب على إعادة النظر في هدف المد التاريخي الشرق أوسطي· وما دام السعوديون يواصلون تقدمهم على هذا المسار، ومهما كان سيرهم بطيئاً ومتثاقلاً، فسيكون من الصعب على البلدان الأخرى في المنطقة ألاّ تحذو حذوهم· ولن يكون لدى الحكومات الأخرى أجوبة عندما تطرح الشعوب سؤالها: إذا كان السعوديون قادرين على تبني مؤسسات سياسية أكثر تعددية، فلماذا لا نستطيع نحن أيضاً ذلك؟
والأكثر من هذا أن إصلاحات كهذه تمثل السبيل الوحيد إلى التعامل مع التهديدين الكبيرين اللذين تواجههما الولايات المتحدة بسبب الاختلال الوظيفي في النظام السعودي· والتهديد الأول منشؤه أن بعض المجتمع السعودي ساهم في رفد منظمة القاعدة · وأن أسامة بن لادن نفسه سعودي،(جرد من جنسيته السعودية) ووجد الكثير من مجنديه بين أبناء بلده الشباب·
ويأتي التهديد الثاني من أن قدراً كبيراً من الغضب والإحباط، يجعل من السعودية أرضاً خصبة للتغيير· وما دام إنتاج النفط السعودي عنصراً أساسياً من عناصر الاقتصاد العالمي، فليس في مقدورنا تحمل تكاليف اندلاع ثورة إسلامية· وحتى إذا لم تؤد التقلبات إلى إيقاف إنتاج النفط تماماً، فإن أياً من الأمرين المذكورين (الغضب والإحباط) سيؤدي إلى نقض سياسة النفط التي تتبع مبدأ معدل الإنتاج المرتفع-والسعر المنخفض وهي السياسة التي تلتزم بها السعودية· إذا حدث ذلك فسيؤدي إلى إطلاق مسلسل الركود الاقتصادي في أصقاع الكرة الأرضية كلها·
السعودية في حاجة ماسّة إلى إصلاح شامل، ذلك أن الاقتصاد يترنح على نحو سيئ، الأمر الذي صار بدوره يعني أن المملكة لن تتحمل بعد الآن أساليب الإسراف التي كانت متبعة، ولن تتحمل نظام الرفاه الاجتماعي الشامل على مبدأ ضمان المواطن من المهد إلى اللحد، وهو النظام الذي جرى تأسيسه في سنوات عقد السبعينيات والثمانينيات التي اتصفت بالثراء والوفرة· أما النظام التعليمي السعودي فقد صار غير ذي نفع، إذ أنه يؤكد ويركز على الدراسات الإنسانية والإسلامية على حساب مواد العلوم الرياضيات· وبسبب اعتمادهم على الحفظ عن ظهر قلب والاستظهار من غير فهم، صار خريجو الجامعات لا يتمتعون إلاّ بقدر ضئيل من مهارات العمل القابلة للتسويق· ويعاني النظام القضائي السعودي من الخوف من كل ما هو غريب وأجنبي، مثل القوانين التي تقيد الاستثمار الأجنبي·
وقد كانت النتيجة وصول معدل البطالة في السعودية إلى 30 في المئة، وهو ربما أكثر من ذلك بين الذكور في العشرينات من عمرهم· إن عدم الحصول على عمل يعني عدم وجود دخل، وربما يعني أيضاً عدم وجود زوجة وبالتالي عدم إنجاب أولاد ثم انعدام الشاب الفرد في المجتمع السعودي· إن الكثيرين من هؤلاء الشباب غاضبون يصبون جام غضبهم على الوضع القائم بسبب عدم تطرقه إلى حل مشاكلهم وبسبب عدم إعطائهم طريقة مناسبة للإصلاح، كما يصبون غضبهم على الولايات المتحدة لأنها دعمت الوضع القائم لعشرات السنوات ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز