إذا كانت الانتفاضة الأولى هي انتفاضة الحجارة، والانتفاضة الثانية هي انتفاضة الأقصى وكلاهما في فلسطين فإن الانتفاضة الثالثة قد تكون هي انتفاضة العرب دفاعا عن الكرامة ورد فعل على العجز· وقد تكون الانتفاضة الرابعة انتفاضة المسلمين في آسيا خاصة إذا ما حدث مكروه للمسجد الأقصى وهدده الكيان الصهيوني عن قصد أو غير قصد لإعادة بناء الهيكل كي تصبح القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل·
وتقع الانتفاضة الثالثة، انتفاضة العرب بعد أن وصل العجز العربي إلى مداه، وتحول إلى إحساس بالإحباط وامتهان للكرامة· وأصيبت النفس بالغثيان كما وصف الوجوديون، ودخل الموت إلى النفس فأصبحت كسيرة حزينة كما وصف السيد المسيح·
فقد تركت الانتفاضة الأولى بمفردها على رغم إعجاب العالم بها وبأطفال الحجارة· وأصبحت الدولة الفلسطينية على مرمى حجر · وعادت سيرة غاندي العرب، سياسة اللاعنف، تفتت معنويات الجندي الإسرائيلي المدجج بالسلاح وهو يقاتل طفلا بريئا ليس في يده إلا حجارة· ويقف أمام الدبابات يرشقها، والعربات المصفحة يواجهها· وحصل بعدها الفلسطينيون على السلطة الوطنية الفلسطينية، نواة الدولة الفلسطينية المستقلة·
وتحولت انتفاضة الحجارة الأولى إلى انتفاضة السلاح الثانية تحولا طبيعيا من الداخل بعد أن غاب العرب عن أن يكونوا رصيدا فعليا للانتفاضة الأولى· ووقف المناضلون الفلسطينيون بما لديهم من سلاح يدوي خفيف في مواجهة المجنزرات والآليات على الأرض والطائرات الأباتشي و إف16 في الجو، وهم لا يملكون صواريخ ضد الدروع ولا ضد الطائرات· وسجلوا ملحمة المخيمات والتي أصبح مخيم جنين رمزا لها· وغاب الرصيد العربي للمرة الثانية في انتفاضة السلاح·
وبدأ العدوان المحدود يصبح عدوانا شاملا، من العدوان على أفغانستان واحتلالها، ثم العدوان على العراق واحتلالها، ثم العدوان على سوريا ربما قبل احتلالها· قامت بالعدوانين الأولين الولايات المتحدة الأميركية وقام بالعدوان الثالث على سوريا الكيان الصهيوني كي يتم حصار سوريا من الشرق، من العراق، ومن الغرب، إسرائيل· والتهديد مستمر لإخراج إسرائيل من مأزقها الداخلي مع المقاومة في فلسطين ولإخراج أميركا من مأزقها الداخلي أيضا في العراق· فتوحد الموقف بين أميركا وإسرائيل· ولم يجدا الحل إلا في الهروب إلى الأمام وبزيادة المشكلة تعقيدا، وحتى ينسى العرب الشر الأقل وهم مَوْحُولون فيه أمام الشر الأعظم وهم غارقون فيه·
والتحرش بإيران مازال مستمرا، والتفتيش على نشاطها النووي ما زال مطلبا· وتستطيع أميركا الاعتماد في ذلك على قوة إسرائيل في المنطقة كما فعلت في ضرب المفاعل النووي العراقي في 1984 وصواريخ البقاع بعد ذلك· والحشود على لبنان مستمرة بدعوى قتل جندي إسرائيلي· والخطة إشعال المنطقة وللتغطية على المقاومة في العراق والمقاومة في فلسطين، والحصول على كسب سريع خاطف لرفع معنويات الجيش الأميركي والجيش الإسرائيلى· وقد يحدث ذلك قبل نهاية العام الحالي قريبا من أكتوبر وحتى يمحي من ذهن العرب نصر أكتوبر ·1973
فإذا ظلت الأنظمة العربية في عجزها وسكونها وحيادها· لا تفعل أكثر من استجداء الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاستصدار قرارات لإدانة العدوان تصطدم بالفيتو الأميركي، وظلت الجماهير العربية تتحرك بحساب، تحاصرها أجهزة الأمن وقوات الجيش حتى لا تخرج من الجامعات ومقار الاتحادات والنقابات والأحزاب والمنظمات غير الأهلية فإن قوة الضغط على الأنظمة ومحاصرتها بين المطرقة والسندان، المطرقة الأميركية الصهيونية وسندان الشعوب وتحركات الشارع تدفع إلى الحركة بطبائع الأشياء، ويتحرك الساكن· ويسقط من يسقط، ويرتفع من يرتفع·
لقد قربت نهاية القاع على الظهور، ووصل الشعب العربي إلى عتبة التحمل قبل أن يحدث الانفجار· فالقدر يغلي· والمياه الجوفية عارمة· ولم تظهر قمة جبل الجليد بعد· والحطب جاف ينتظر الشرارة· وهو العرض التاريخي· قد لا يكون غلاء الأسعار هذه المرة كما حدث في انتفاضة يناير 1977 أو في انتفاضة الخبز في المغرب وتونس في الثمانينيات أو في الأردن في التسعينيات بل قد يكون هذه المرة العدوان على سوريا أو على لبنان أو على إيران أو حتى على مصر وخاصة أن الكيان الصهيوني يريد تحويل انتصار أكتوبر 1973 إلى هزيمة بعد ثلاثين عاما· وتزداد الاتهامات الإسرائيلية لمصر وسوريا بأنهما تنويان شن حرب جديدة على إسرائيل مما يعطيها ذريعة لشن حرب وقائية على سوريا ومصر· العرض التاريخي هذه المرة لن يكون الخبز بل الحرية، وليس الأسعار بل الكرامة، وليس الدنيا بل الآخرة·
والغرض من ذلك كله كسر شوكة العرب بدعوى عدم الانصياع الكامل للمشروع الأميركي الجديد للاستيلاء على العالم كله، والتخلص من الإسلام المجاهد المقاوم بدعوى الإرهاب· ويتحقق الحلم الأميركي الجديد في الاستقرار في آسيا على مقربة من الصين وروسيا لإجهاض الثورة الصناعية في شرق آسيا في كوريا وهونج كونج والصين واليابان وكوريا الجنوبية، وفي جنوب شرق آسيا في ماليزيا وأندونيسيا، والقضاء على ب