يجب التعامل مع الحالة العراقية على أساس أنها استثناء سياسي لا يشبه أي وضع قائم في العالم العربي لأن المقارنة تصبح ظالمة للشعب العراقي والطرف المحتل·
فمرة نقرأ بأن الحالة الأميركية في العراق أشبه بما كان عليه الوضع في فيتنام أو الصومال أو غيرها من الدول التي لا تتشابه مع العراق في مصابه·
فالعراق استثناء على مدار التاريخ، لذا نرى بأن القوات الأميركية والبريطانية لا تتعامل معه وفق السيناريوهات التي تحققت في الأزمات السابقة والمرتبطة بقواعد دولية في السياسة اختلفت عما يدور اليوم في كواليس عالم السياسة المعاصر·
فعراق ما بعد صدام يراد له أن يختلف عن كل أنواع العراق في العصور التاريخية من عمر هذا البلد الذي شقي بحكامه أكثر من شقائه بمحتليه·
فتراكم الظلم على الشعب العراقي جعله يقبل بأن يأتي المنقذ من الخارج ويملي شروطه الواقعية عليه بمشاركة مرسومة من الداخل المختلف حوله وإن كان يمثل معظم الشرائح التي تتحرك منذ تشكيل الحكومة المؤقتة منهم·
بعد مضي أكثر من ستة أشهر على تحرير رقاب الشعب العراقي من ربقة عبودية البعث له، يخرج مقتدى الصدر بمشروع حكومة مضادة سميت بالظل ولكنها بدون ظل·
وهذا دليل قاطع بأن سقف الحرية المتاح اليوم في العراق أكبر مما كان مخططا له إن كانت هناك خطة ما ولا نظن· فالوضع في العراق أغرب من أن يهضم سياسيا على الأقل· هناك حكومة أميركية يمثلها بريمر الحاكم الفعلي للعراق، يسانده مجلس حكم انتقالي بماركة عراقية مئة في المئة، إضافة إلى ذلك تريد الحكومة المضادة أن تطرح نفسها بديلا مقترحا على الشعب المطلوب منه التصويت عليها باستخدام نظريات المنطق الفلسفي التي شكلت من خلاله حكومة مقتدى الصدر ويود أن تصبح المخرج الحقيقي لمعاناة العراقيين·
لا توجد في عراق اليوم طريقة مثالية أو عصى سحرية جاهزة لحل المعضلة· فتعدد الاتجاهات واضح لمن يتابع جزئيات الأحداث اليومية، ولكن دون أن ننسى أن أميركا لا تتصرف في العراق وفق أعداد القتلى التي تسقط من رصيدها الشعبي هناك بقدر ما تريد وتصر على تحقيق استراتيجيتها في المنطقة للبناء الديمقراطي في الشرق الأوسط وسيكون العراق النموذج العملي لذلك· فالهجمات اليومية على الطرف المتحالف وكذلك على الشعب العراقي في ذات الوقت، الهدف منها هو إجهاض هذا المشروع الاستراتيجي الذي سيغير خريطة الحكم في المنطقة·
فاذا كان من أهداف الحكومة المضادة المقترحة مساندة أميركا في وضع اللبنات الأساسية للديمقراطية فيمكن تذويبها في القطاعات المختلفة للدولة التي ليس لها اسم حتى الآن غير العراق، الديمقراطي، الجمهوري، ملكي ، مخلط ·
أما إذا كان الهدف من الحكومة المضادة هو التسويق الاعلامي أو المشاكسة على حساب مستقبل الشعب العراقي فإن مصيرها سيتحتم وفق الأنظمة التي ستقر لعلاج بعض نسمات الحرية التي امتدت في عراق لم يشهد هذا الانقلاب السياسي الذي أزعج الآخرين من صف الجوار أكثر من العراقيين·
فإنشاء حكومات متداخلة ومتعددة ليس من صالح الشعب العراقي في شيء، فإن المرحلة الحالية تحتاج إلى الاتفاق حول البناء الشامل للدولة المرتقبة أكثر من فقاعات الحكومة المضادة·