استقطبت انتخابات كاليفورنيا اهتماماً هائلاً في الولايات المتحدة والعالم كله، حيث قام أكثر من 200 صحفي، في أثناء الحملة الانتخابية، بالانطلاق في إثر شوارزينغر أينما ذهب، ولم يسبق أن تواجد هذا العدد من الصحفيين في أي انتخابات من هذا النوع· وقد تولى أبرز المراسلين في محطات التلفزة الأميركية تغطية الأحداث الانتخابية بأنفسهم، في البرامج الإخبارية الليلية· و في كل الولايات، هيمنت التغطية الإخبارية إلى درجة أنها دفعت إلى المرتبة الثانية أخبار العراق والقصص الإخبارية الكبيرة الهامة الأخرى· لقد بدت كأنها انتخابات رئاسية، على رغم أن شوارزينغر لا يمكنه خوض الانتخابات الرئاسية لأن الدستور الأميركي لا يعطي حق خوض السباق الانتخابي إلى منصب الرئيس إلا للمولودين في الولايات المتحدة·
سحرت انتخابات كاليفورنيا الجمهور الأميركي، إذ كان من غير المعتاد إقالة حاكم من منصبه في الفترة الواقعة بين انتخابين نظاميين· وقد نظم المرشح الأميركي اللبناني الأصل داريل عيسى التماساً ناجحاً لإجراء تصويت على الإقالة، وهو أمر يجيزه قانون كاليفورنيا، حيث شعر الكثيرون هناك بالاستياء من أداء غراي ديفيز في إدارة اقتصاد الولاية؛ وقد شعر حكام الولايات الأخرى أيضاً بالقلق خوفاً من أن يأتي الدور عليهم باعتبار أن هناك ولايات أخرى تعاني من مشكلات اقتصادية· يشكل سكان كاليفورنيا عُشر مجموع سكان الولايات المتحدة، ومن الممكن النظر إلى عملية التصويت هذه باعتبارها مؤشراً إلى المزاج الوطني· وفي المقام الأول، جعلت مشاركة شوارزينغر من الأمر قصة قومية، فهو النجم السينمائي وبطل العالم السابق في كمال الأجسام ولا يتمتع بالخبرة السياسية لكنه خاض الحملة كدخيل ضد المراقبين والسياسيين المحترفين، وتحدث بلغة بسيطة ومباشرة وأطلق وعوداً بـ إعادة (الولاية) إلى الناس· ويشبه ذلك حملة الدخيل الآخر جيسي فينتورا ، وهو مصارع محترف نجح في الترشح منذ بضع سنوات لمنصب حاكم ولاية مينيسوتا·
وقد ركزت وسائل الاعلام المحلية الأميركية على المزاعم التي تقول إن شوارزينغر أساء معاملة النساء وأنه معجب بـ أدولف هتلر ، في حين أنها أعارت قدراً ضئيلاً من الاهتمام لمسألة كبيرة يدركها جيداً كل أهالي كاليفورنيا وهي معاملة العمال الأجانب في الولاية، وكثير منهم مقيمون بصورة غير شرعية؛ وهذا أمر لا بد لساسة كاليفورنيا دوماً من أخذه في الحسبان·
إن معظم العمال الأجانب من الناطقين باللغة الإسبانية،أو وافدين ذوي أصول من بلدان أميركا اللاتينية لا سيما المكسيك· وقد استوطن الاسبان في كاليفورنيا في القرن ،18 ولم تسيطر الولايات المتحدة عليها إلا في عام 1848 إثر الحرب مع المكسيك· واليوم يبلغ عدد الوافدين من أميركا اللاتينية أكثر من ثلث عدد سكان الولاية، في حين تبلغ نسبتهم في لوس أنجلوس 47 في المئة· والكثير من هؤلاء غرباء بلا وثائق ويعيشون في الولاية بصورة مخالفة لقوانين الإقامة· لكن يسود في كاليفورنيا اعتقاد بعدم وجوب ترحليهم جميعاً، إذ صار واضحاً ومفهوماً أنهم يساهمون في الاقتصاد بقيامهم بالأعمال ذات الأجور القليلة التي لا يرغب غيرهم في أدائها، ولاسيما ما كان منها في ميدان الزراعة· ومن شأن عمليات الترحيل الجماعي أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمواد الأخرى التي يجري إنتاجها بأيدي العمالة الرخيصة·
ولا يمكن لجميع الأجانب من أصول أميركية-لاتينية أن يصوتوا في الانتخابات، لأن القانون لا يجيز ذلك الحق للمقيمين بصور غير شرعية، غير أن ساسة كاليفورنيا يدركون ويعلمون أن عدد أولئك الأجانب يبلغ في كاليفورنيا وحدها 2,3 مليون هم في الواقع مواطنون أميركيون ولهم الحق في التصويت· ولذا، عندما دخل غراي ديفيز السباق إلى منصب الحاكم كمرشح للحزب الديمقراطي في الانتخابات السابقة، قام الحزب بترشيح كروز بوستامانتي ، وهو سياسي من أصول أميركية-لاتينية، لمنصب نائب الحاكم· وكان من المفترض أن يكون ممثلاً لمصالح بني جلدته في كادر قيادة كاليفورنيا، وقد انتهز فرصاً كثيرة للحديث عن احتياجات هؤلاء· وعندما بدأت حملة الإقالة، أعلن بوستامانتي أنه سيخوض السباق إلى منصب حاكم الولاية ضد شوارزينغر، وواصل التحدث بصوت عال في مصلحة ذوي الأصول الأميركية-اللاتينية·
وقد سعى ديفيز إلى الاحتفاظ بوظيفته بإقناع الناخبين بالتصويت ضد إقالته، فأعلن فجأة عن إجراءات كان يرجو أن تروق للناخبين ذوي الأصول الأميركية-اللاتينية· ومن تلك الإجراءات قانون يجيز لمن يقيمون بصورة غير شرعية في الولاية أن يحصلوا على رخص قيادة السيارات، وهو إجراء توقع ديفيز أن يكسب من ورائه استحسان الناخبين ذوي الأصول الأميركية-اللاتينية· ومن سوء حظه أن الأمر لم يحقق له مراده؛ وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن ثلث هذه الفئة من الناخبين سيميلون إلى التصويت لصالحه بسبب قانون رخص قيادة السيارات، في حين تبين أن البقية الباقية منهم لا يؤيدونه أو لا يكترثون للأمر· وقد شعر أولئك أن وظائفهم مهددة بسبب المقيمين ذوي