كان العالم يعتقد أن جائزة نوبل للسلام يتنافس عليها كلُ من البابا يوحنا بولس والرئيس البرازيلي دا سيلفا، وهما من أقوى المرشحين لها، وتأتي بعدهما قائمة من المرشحين تصل إلى ستة عشر شخصية لا يمكن أن تخرج عن تلك الدائرة، آخذين بعين الاعتبار عوامل عديدة لها تأثير في اختيار الفائز بجائزة السلام، إلا أن المفاجأة التي لم تكن على البال أن تفوز بها امرأة من الشرق، ومن الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذا الوقت بالذات، ولم يكن اسم المحامية شيرين عبادي معروفاً إلا لمن كان يهتم بمجالات الدفاع عن حقوق الإنسان، وخاصة المرأة والطفل· وهي ذات توجهات قريبة جداً من الجبهة الوطنية الإيرانية، تلك الجبهة ذات التوجه القومي اليساري·
وقد كانت من أشد المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران، في ظل التشدد والتزمت الديني من قبل المحافظين في الجمهورية الإسلامية، وتحت الضغط والإرهاب تركت عملها كقاضية، وعملت كمحامية عن كل من يتعرض للاضطهاد السياسي من قبل الذين يستمدون شرعيتهم عن طريق القوة والعنف متخذين من الدين الإسلامى الحنيف غطاء لممارسة العنف والقسر باسم الدين· ولكن على رغم ذلك استمرت تناضل سنوات من أجل ترسيخ مفاهيم الإسلام الإنساني، معتمدة في ذلك على أن الحاضر يحتاج الى تجديد في القوانين التي لها علاقة بحرية الإنسان وحقوقه، وأن الاجتهاد لابد أن يطال التقاليد والعادات التي أصبحت من الماضي البعيد وليس لها علاقة بالحاضر، وتطور المجتمعات الإنسانية، وأن التفكير السليم والمنطقي يرفض أن يقيد الإنسان وتسلب حقوقه وممارسته للديمقراطية اعتماداً على آراء أكل الدهر عليها وشرب· كانت تدرك بوعيها العلمي، أن الأمور لن تستمر كما يرغب أولئك المحافظون المتشددون· وربما وجدت في تنامي التيار الإصلاحى بقيادة محمد خاتمي -رئيس الجمهورية الإسلامية- أملاً في إصلاح الوضع، وبالتالي تأكيداً على أن ما تقوم به في الدفاع عن المعتقلين أو حقوق المرأة والطفل في ايران هو العمل الصحيح من أجل مستقبل أفضل للإنسان·
وكما هو مصير جميع المناضلين من أجل الحرية وكرامة الإنسان فإن شيرين عبادي لم تسلم من الاعتقال لقد تم اعتقالها في سنة 2000 بتهمة توزيع اعترافات أحد انصار حزب الله في إيران، وهو الذي كان يطارد الإصلاحيين وغيرهم ويستخدم كافة الوسائل للحد من انتشار تأثيرهم في المجتمع الإيراني·
لقد كانت تلك المرأة ذات الستة وخمسين عاماً والعاملة في مجال التدريس -مادة القانون- في جامعة طهران نموذجاً للمثقف والمتعلم الذي يعمل ويضحي من أجل مبادئه وقناعاته· وعلى رغم كل الظروف لقد أثبتت تلك المرأة المناضلة أنها تناضل من أجل وطنها وأنها تحب هذا الوطن وأنها تلتزم بقوانينه حتى لو لم تتفق مع آرائها لأنها تريد أن تكون قريبة من الناس الذين تناضل من أجلهم ولذلك فهي تجيب عن الحجاب إن الحجاب الزامي في بلادي وأنا أحترم قوانين بلادي · وشيرين عبادي فخورة بأنها امرأة وأنها تناضل في عالم يتسيد فيه الرجال ومثل هذا جعلها تقول إن الكثير من نساء إيران يشعرن بأنهن أقوى من الرجال إن امرأة كهذه تستحق التقدير منا كعرب ومسلمين قبل أن تستحق التكريم من المشرفين على جائزة نوبل ، لأن مجتمعنا بحاجة إلى نماذج تفرض نفسها، ترفض الظلم وترفض القهر، وتعطي مثالاً لإنسان متحضر متنور منفتح على الحضارات والثقافات· إن فوز شيرين عبادي بجائزة نوبل للسلام يعني أن المعركة بين القوى المستنيرة والإصلاحية والقوى الظلامية هي سمة من سمات هذه المرحلة من تاريخ الإنسانية الحديثة، هذه المعركة ضد كل المتشددين سواء كانوا من المحافظين في الغرب أو الشرق، وهي تتطلب الوقوف أمام ذلك التيار الظلامي والذي من المؤكد أنه يستفيد من الفرص حتى يتمكن من السيطرة على المجتمع، ويرتكب الكثير من الجرائم بحق الإنسانية باسم الديمقراطية، وهو في حقيقته معادٍ للديمقراطية، كيف لا وهو الذي يمارس الديكتاتورية في حياته اليومية سواء ضد المرأة أو غيرها في المجتمع·
مما لاشك فيه أن فوز المحامية شيرين عبادي بجائزة نوبل للسلام، يحمل العديد من المعاني ويؤكد على أن السلام لا يتم إلا متى قام الأفراد بعمل في سبيل القضاء على التشدد والتطرف والانتهازية الاكاديمية السياسية من خلال التلاعب بالألفاظ وغيرها من الوسائل التي تبتعد عن الحقيقة تماماً فمتى ينتهي الغزل بين الرويبضة وجماعة الإسلام السياسي·
إن فوز شيرين عبادي بتلك الجائزة هو تكريم لكل النساء المسلمات اللاتي يحملن لواء التغيير ويتلقين العنف والعسف من قبل السلطات تارة، ومن قبل الأزواج وأفراد المجتمع الذين يرفضون أن يكون للمرأة أي دور تارة أخرى·