لا تكاد المصادر العربية تذكر أن بين الكراسي الخالية فى جامعتها العربية، هناك الكرسي الصومالي، الذى يُملأ شكلياً منذ أكثر من عشرة أعوام. وها هو الرئيس صلاد حسن تنتهي مدة حكمه المؤقت فى سبتمبر 2003 لتبقى الدولة رسمياً وعملياً دون أي جهاز سياسي حاكم. ولكن يبدو أن عملية المصالحة الأخيرة (أكتوبر 2002 أكتوبر-2003) في كينيا بين أكثر من خمسين فريقاً وبعد أربع عشرة محاولة للتصالح، وباستمرارها لحوالى العام؛ تكاد تصل لصيغة هي التي استهدفت الصومال خلال عقد من الزمان، فقد اتفق أكثر من 400 ممثل للفصائل مبدئياً على صيغة دستور فيدرالي، يحتفظ فيه كل من أعلن الانفصال من قبل بمكانته حتى ما كان يسمى جمهورية صومال لاند أو أرض الصومال. ويبدو أن ثقل الوسطاء هذه المرة؛ الاتحاد الأوروبي (رسمياً) والولايات المتحدة من وراء كينيا من ناحية أخرى، وبأصابع أثيوبية لا تخفى من ناحية ثالثة، يبدو أن ذلك سوف يؤدي إلى جمع الأضداد في حكومة انتقالية تنتهي من ملامح الدستور المرتقب خلال بضعة شهور. لكن البدء بعدد من الانسحابات (صلاد حسن) والتحفظات (الرحانوين) والجوباويين وانقسامات لا تحصى من الاسحاقية في الشمال إلى الديجل والميريفلي على رغم اتفاق هش أخيراً بينهم، كل ذلك لا يجعل حتى ذلك الدستور الفيدرالي متوقعاً أن يرى النور.
والصومال يعيش منذ عقد من الزمان بدعة اللادولة أو ما يصنفها الأميركيون بالدولة الفاشلة Failed state ضمن تصنيفاتهم للدولة المارقة، ودول الشر•••• إلخ• ولابد أن ينتقم الأميركيون هنا لأنفسهم منذ سحل الصوماليون أبناءهم في طرقات مقديشو تحت العدسات التليفزيونية عام ،1993 مما جعل بعض أجهزة الإعلام -ومنها العربية- تنقل احتفال بعض الصوماليين بذكرى مرور عشر سنوات، دون أن تسأل نفسها ماذا فعل الصوماليون بأنفسهم خلال هذا العقد من الزمان• لكن يبدو أن الرأي العام العربي تعود على هذه المآسي، عاشها من قبل في لبنان لأكثر من عقد دون دولة، وعاشها في فلسطين منذ أوسلو بوهم الدولة دون دولة، والأخطر من ذلك ما يعيشه بالطبع في العراق، حيث تسعى حثيثاً للادولة، مبشرة في أحسن الأحوال بالفيدرالية التي سيجري تجربتها في الصومال• لذلك نكتب اليوم عن الصومال!
فالتساؤلات والإجابات عن العراق•• تجد بعض جذورها فى الحالة الصومالية، إخواننا في الصومال أسقطوا السلطة الظالمة ممثلة في سياد بري عام ،1991 وهم لم يقبلوا بأي شكل من الاحتلال، بل سحلوا جنوداً جاءت باسم الأمم المتحدة تارة وباسم حفظ السلام تارة أخرى، لكنهم افتقدوا السلطة السياسية المركزية البديلة، ورفضوا تكرار تقدم أي عسكريين لهذه المهمة، فقبلوا تجاراً وسفراء وموظفين فشلوا في الاستمرار، وبدأت العشائر و لوردات الحرب يحلون محل هذه السلطة في إقليم وآخر، وكنا في الخمسينيات وأوائل الستينيات نرجع حكم الصومال إلى العٌقَّال السبعة بمعنى التجار السبعة الكبار الذين يديرون المصالح والصادرات والواردات والعلاقات الخارجية رغم وجود الحكومات الديمقراطية لبعض الوقت والتي لم تمثل في الواقع جوهر الحركة الوطنية السابقة على الاستقلال• وإذ بنا في التسعينيات من القرن نواجه بالعُقال واللوردات أنفسهم تقريباً، لكنهم يديرون المصالح هذه المرة دون حكومة مركزية لا ديمقراطية ولا ديكتاتورية• وعلى رغم أربع عشرة محاولة للتصالح أكبرها وأكثرها تفاؤلاً، في سودري باثيوبيا ،1996 وفي الجامعة العربية والقاهرة 1997 ثم فى جيبوتي عام ،2000 فإن أصحاب المصالح وعلاقاتهم الخارجية، ومسار التجارة فى السلاح، وأعمال التصدير والاستيراد الميسرة في موانئ يملكها كل فصيل تابع لهم على حدة، هذه المصالح تخرب أية مصالحة، حتى التلويح بالفيدرالية لضمان هذه المصالح لم يكن ليحل المشكلة بل سيقسم البلاد في الخطط الأخيرة إلى شمال ووسط وجنوب، متنازع عليها جميعا! وهذا هو الدرس الذي يقدمه الصومال للعراقيين. لكن هناك من سيشيرون إلى اعتبارات أخرى فى جعبتهم، وهي أن الصوماليين لم يعدموا وسيلة لتنظيم حياتهم والاستمتاع بها -حرة وديمقراطية- حتى وهم يعيشون هذا التفتت!
وسوف نريح كل الأطراف بإعلان ما يتمتع به الصوماليون بالفعل، على غير ما يتوقعه القراء الذين يشاهدون مرتزقة المعونات الدولية وهم يوزعون أوانيهم التعيسة على مجموعات أطفال يأكلهم الموت البطيء، مما ليس صحيحاً بالمرة لأن الصومال من أغنى بلاد الله بالثروة الحيوانية، والألبان، والوديان الزراعية والجاليات النشطة بالخارج• وبين نخب هذه الفصائل المتقاتلة مليارديرات ظهرت بعض ثرواتهم في بنك البركات التي صادرته الولايات المتحدة ضمن عملياتها الانتقامية من الصومال باسم مصادرة موارد الإرهاب ! (وبالصدفة تقدم رجال أعمالها لإنشاء فروع للبنوك الأميركية في البلاد)! دعونا نصور في عجالة أثر الثروة الاقتصادية والاجتماعية في الصومال على بعض الحياة العامة، فالصوماليون-الآن- يقرؤون كل صباح سبع صحف، ويشاهدون أربع محطات تلفزيونية بعضها يرتبط بأكبر المحطات العربية وا