لا أنكر أنني سعدت -بامتنان- لدعوة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل للمشاركة في الملتقى الثاني الذي تنظمه مؤسسته الفكر العربي وذلك في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر المقبل في بيروت••• حقيقة، ما استطعت أن أمنع رئتي من التمدد لاستنشاق المزيد من طيب الهواء وأنا أحاول تأطير هذه المؤسسة الفتية حسب توجهها الذي يأمل المؤسس (أن يكون مؤتمرها السنوي فضاءً للحوار والمسؤولية والتلاقي بين أصحاب الإرادات الطيبة في النهوض والتضامن العربي) -كما جاء في خطاب الدعوة-•
إنه -لعمري- أمل مشروع نظيف بالنية والتوجه وكذلك بنغمة التصميم• وهو يمثل إضافة جديدة لآمال أخرى قد سبقته في التجسيد مع اختلاف أسلوب التعبير لعل من أهمها ما تقوم به صحيفة الاتحاد الإماراتية وعلى صفحات وجهات نظر بالذات، حيث تحط رحال الأقلام العربية جامعة ما بين المشرق والمغرب -رغم اختلاف منطلقاتها- مقدمة للقارئ العربي ثمرة من ثمار ذات التوجه• هنا أريد أن ادّعي أن مؤسسة الفكر العربي وهي كما يقول شعارها (مبادرة تضامنية ما بين الفكر والمال للنهوض بالأمة العربية) قد جاءت اليوم لإنضاج وإثمار تلك الحركة التنموية العربية الفكرية والتي بدأت في صحافة الخليج منذ بداية النصف الثاني من القرن السابق -أي الخمسينينات من القرن- أي منذ أن بدأت هجرة الإخوة العرب باتجاه مناطقنا للمساعدة على تحديثها ومدّ شعبها بالعلم والثقافة وتقريبه من العالم الجديد، والذي عرفه إخوتنا من عرب آسيا وأفريقيا قبلنا بسنوات•
في مثل تلك الأجواء كان لابد للإعلام -لساناً، قلماً، أو صورة- أن يصدر من ويتجه إلى ساكني المنطقة والذين تقدمت لديهم صفة العروبة على الإقليمية ومنذ الحرف الأول في التعليم، وبأسلوب معاكس لإخوتنا العرب الذين بدأوا بالإقليمية ثم توسعوا بالعروبة• وفي هذا المقام، أرى أنه لا يحق لأية صحافة عربية أن تدّعي فتح مجالها لرياح الفكر العربي (خارج نطاق إقليمي) دون النظر إلى مصدره مثلما يحق لصحافة الخليج، وأخص بالذكر هنا و-باعتزاز- صحافة الكويت ما بين الستينيات والتسعينيات، وكذلك صحافة دولة الإمارات• أما البحرين وقطر وعمان فقد تركت الباب موارباً لدخول مواد ثقافية بعيدة عن السياسة، واكتفت المملكة العربية السعودية بعلو صوتها الخارجي (الحياة-الشرق الأوسط) على صوتها الداخلي حتى يتحقق التناغم والتكامل•
إنه هنا الوضع -خليجياً- قد هيأ التربة الصالحة للفكر القومي المتوارث إلى جانب الوفرة المادية، والوجود العربي المؤثر• لكنه ضل الطريق باتجاه التأثير المباشر والمركز على السياسة المحلية في مقابل التحول إلى منتديات عربية فكرية، وهو أمر لا نكتفي بأن نقول لا بأس به، بل هو ضروري وحياتي لهذه الأمة التي عمّها الضلال وحتى نصل إلى موقع قطف الثمار بعد أن أمضينا زمناً طويلاً نزرع ونحصد ما تذروه الرياح•
هذا -أظن- هو ما يضاعف مسؤولية الأمير خالد الفيصل ومبادرته المؤسسية أو مؤسسته المبادرة في الدخول الجاد إلى النقلة الثقافية النوعية للتقرب من العالم الجديد وتأهيل الوطن لمسايرة العصر وقطع دابر المراوحة وإغلاق النوافذ والأبواب على الذات العربية المصونة وهو ما أحب أن أسميه مرحلة قطف الثمار، إذ لم يعد نافعاً أن نكتفي باللقاء، رغم أنه الحجر الأساسي• لقد صار لزاماً علينا أن نؤسس لهذا الفكر وعليه منهاجاً ثقافياً دراسياً يرتكز على الاعتزاز بالتاريخ، والقدرة على التفكير والتفكر الخلاق ومهارة العمل الجماعي باستيعاب الآخر والخروج من شرنقة الذات إلى المستقبل عدة وعتاداً• هذا ما أتمنى للمؤتمر القادم أن يقوم به باتخاذ خطوات إيجابية عملية قد نشهدها ونشهد عليها اليوم قولاً ويشهد عليها الأحفاد والأيام عملاً•