إن هنادي أحيت للعرب جميعاً ذكرى حرب رمضان المجيدة بأن اختارت يوم بدئها بالتقويم العبري لتنفيذ عمليتها الاستشهادية الفذة.
* العملية الاستشهادية التي قامت بها الزميلة المحامية هنادي جرادات في مدينة حيفا الفلسطينية المحتلة أسفرت عن مقتل 20 صهيونياً وإصابة خمسين آخرين · ولقيت هنادي وجه ربها شهيدة متقبلة بإذن الله .
* بهذا العمل البطولي أصبحت هنادي جرادات أولى شهيدات الانتفاضة الفلسطينية في عامها الرابع، والسادسة في قائمة عرائس فلسطين اللاتي اخترن الزفاف إلى الجنة على موسيقى المتفجرات، التي تهلك العدو الصهيوني وترعبه وتهدم نظريات أمنه الدائم، فَضَّلنه، على الزفاف إلى بيت زوج تعيش فيه المرأة والرجل تحت رحمة الاحتلال -أو قل تحت نقمته فهو لا رحمة له - في ترقب وانتظار: متى يقع لهما مثل ما وقع لمئات الآلاف من أهل فلسطين من تدمير البيت، واغتيال الزوج، واعتقال الابن، وفقدان القليل التافه من عَرَضِ الدنيا الذي لا يملك معظم الشرفاء من أهل فلسطين شيئاً سواه.
هنادي جرادات - وأخواتها العرائس الشهيدات - دليل على أن المرأة الحرة ضرورة لابد منها لمعركة التحرير الطويلة مع العدو الصهيوني، والقوى الذي تغذيه مادياً بالسلاح والمال والعتاد، وتؤيده معنوياً في ساحات المجتمع الدولي، وفي الإعلام المحلي والعالمي·
فالشعب المحتلة أرضه، المهدد وجوده، المهدرة حقوقه، المستباحة مقدساته لا يملك تَرَفَ أن يَكِلَ أمر العمل لاسترداد وطنه وحقوقه وحرياته، لجماعة أو مجموعة، من السياسيين ذوي الياقات البيضاء، الذين يغدون ويروحون من عاصمة إلى أخرى، مبتسمين أمام العدسات متشدقين بكلمات مكرورة معادة فرغت من المعنى لكثرة ما قالها من يقصد بها خيراً ومن يقصد بها شراً، ومن هو لا هنا ولا هناك.
ولأن مجاهدة العدو، وإيلامه، وإلحاق الأذى به، واجب على كل مواطن قادر على شيء من ذلك فقد قال الفقهاء المسلمون - من قديم - إن بلاد المسلمين إذا احتلها عدو وجب جهاده على كل قادر عليه، فيخرج، لمجاهدة المحتل، الابن بغير إذن والديه والمرأة بغير إذن وليها والرقيق -يوم كان هناك رقيق- بغير إذن من يملك الإذن له .
وليس هناك تعارض بين هذا الحكم الفقهي الصحيح وبين الحديث النبوي الذي رد فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شاباً ليخدم أبويه فقال له عندما أراد الخروج مع الجيش *فيهما مجاهد< أي في برِّهما والقيام بشأنهما لأن هذا الحديث كان في شأن الخروج مع الجيش لملاقاة الأعداء خارج أرض الإسلام، لا في الجهاد الذي يراد به تحرير تلك الأرض من محتل أجنبي غاصب لها يقتل كل يوم من شاء من رجالها ونسائها وأطفالها .
* في الجهاد خارج أرض الإسلام، الجهاد لإزالة العوائق القائمة في سبيل توصيل كلمة الله إلى الناس - يوم كان هو الوسيلة الوحيدة لذلك - كان بعض القوم يغني عن بعض؛ أما في جهاد الدفع لتحرير الأرض ورد العدوان وحماية النفس والعرض والمقدسات فإنه لا يحل لقادر أن يقعد، أو يلتزم الصمت، ويقول إن الأمر موكول إلى المنظمة الفلانية أو السلطة العِلاَّنية هي تؤدي الواجب عني! ولو أبيح هذا القعود ما تحررت أرض أبدا وما استرد شعب حقاً سلب منه على مر التاريخ؛ فإنما استردت الحقوق وتحررت الشعوب بقوافل الشهداء الأبطال الذين افتدوا بأنفسهم البلاد وسائر العباد.
* وهنادي جرادات فقهت هذه المعاني جميعاً، وعلمت أنها تقدم نفسها فداء لوطنها ونصرة لدينها· فقد سهرت ليلة 4/10/2003 (يوم تنفيذها لعملها البطولي) تقرأ القرآن الكريم ولم تنم حتى ختمت آخر أجزائه، وقالت لأخواتها البنات إن هذه الختمة كانت السابعة(!) وفي السابعة والنصف من صباح يوم السبت 4/10/2003 (عيد الغفران عند الصهاينة) خرجت هنادي من بيتها دون أن تودع أحداً من أهلها أو أخواتها البنات، ودون أن يبدو عليها -لمن رآها منهم- أنها عازمة على عمل شيء غير معتاد· وعندما استيقظ الجميع افتقدوا هنادي فلم يجدوها، وظنوا أنها في جميع الأماكن التي يمكن أن تكون قد قصدتها، إلا أن تكون قد قصدت مدينة حيفا لتقوم بعمل فدائي بطولي لنصرة شعبها ووطنها(!)
وبعد ساعات أعلن العدو الصهيوني عن العملية الاستشهادية لهنادي، وأنها إحدى استشهاديات (سرايا القدس)، الجناح العسكري لحركة (الجهاد الإسلامي)!
عندئذ عمت الفرحة بيت هنادي، وأخذ الجيران يهنئون أهلها وأخواتها باستشهادها، وفهمت شقيقتها التي كان موعد زفافها يوم 14/10/2003 لماذا كانت هنادي تهنئها تلك الليلة تهنئة مبكرة وتدعو لها دعاءً مكرراً بالسعادة والهناء··· كانت تفعل ذلك لأنها لن تكون معها يوم عرسها، ولن تشاركها فرحة زفافها· لقد عزمت هي على أن تزف قبلها إلى الجنة، شهيدة مباركة·
* إن هنادي أحيت للعرب جميعاً ذكرى حرب رمضان المجيدة بأن اختارت يوم بدئها بالتقويم العبري لتنفيذ عمليتها الاستشهادية الفذة · وتركت بذلك رسالة إلى من يعنيهم الأمر: إن طريق الحصول على الحقوق، وطريق التحرير يبدأ من هنا وينتهي هنا· يبدأ بإعداد القوة وينتهي باستعمالها عندم