ردا على الهجوم الانتحاري الرهيب الذي وقع في مدينة حيفا في إسرائيل بتاريخ الرابع من شهر أكتوبر الجاري، قامت القوات الجوية الإسرائيلية بشن غارة في عمق الأراضي السورية، على ما وصفه الناطق العسكري الإسرائيلي بأنه معسكر تابع لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية المتطرفة· والجدير بالذكر أن هذه الغارة هي أول عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل ضد سوريا منذ ما يزيد على عشرين عاما على الأقل، وهو ما دفع سوريا للقيام على الفور بالتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تطلب منه فيها إصدار قرار يدين إسرائيل·
السؤال المطروح حاليا هو: هل كانت الغارة الإسرائيلية على هدف في سوريا، عبارة عن توسيع مبرر لنطاق الحرب ضد الإرهاب، أم أنها خطوة يمكن أن تؤدي دون قصد إلى إشعال نار حرب عربية إسرائيلية جديدة؟
وعلى رغم أن خوض حرب شاملة، ليس هدفا تسعى إليه إسرائيل أو الدول العربية في الوقت الراهن، فإن المراقبين العرب يحذرون من أن هذه العملية يمكن أن تشعل النار في المنطقة بأسرها· على الأقل-كما يرى هؤلاء المراقبون- فإن تلك العملية سترسخ إيمان الشعوب والحكومات العربية على حد سواء، بأن حكومة أرييل شارون هي حكومة جاءت من أجل الحرب، وليس من أجل التوصل إلى حلول سلمية، مما يجعل العودة إلى طاولة المفاوضات السلمية أمرا أقل إغراء للأطراف العربية، عما كان عليه الأمر من قبل·
وقد لوحظ أن المتحدث العسكري الإسرائيلي قد سارع إلى تأكيد أن الغارة لن تقوض قواعد لعبة حالة اللاحرب واللاسلم السائدة بينها وبين سوريا خلال العقدين الأخيرين · خلاصة الأمر، أنه يمكن القول إن إسرائيل قد سجلت سابقة في ضرب سوريا · وبصرف النظر عن الأثر البعيد المدى لهذا الهجوم، فإن المهم هو أن صناع القرار الإسرائيليين الذين يرون أن العرب لا يفهمون سوى لغة القوة، سوف يدركون الآن أنه سيكون سهلا عليهم في المستقبل تبرير مثل هذه الضربات · وفي الحقيقة أن هذا أمر يؤسف له، لأنه يذكرنا بالحالات التي لا حصر لها التي قامت فيها إسرائيل بإرسال قواتها الجوية إلى جنوب لبنان في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بغرض تدمير مقار قيادات إرهابية ·
إن سلوك سوريا كان دائما مقلقا لكل من القدس وواشنطن، بيد أنه يجب القول في هذا السياق أن الصورة لم تكن قاتمة تماما· فلسنوات عديدة قمنا بانتقاد سوريا بسبب قيامها بتوفير المأوى للجماعات الإرهابية، أو بسبب تأييدها لمليشيا حزب الله اللبنانية· كما أن سوريا قامت خلال السنوات الثلاث الماضية على وجه التحديد بالاستفادة بذكاء من تعاملاتها مع نظام صدام حسين حيث كانت تشتري النفط العراقي من هذا النظام بخصومات كبيرة، ثم تقوم بتصدير نفطها هي إلى أوروبا بأسعار أعلى· وفي مقابل ذلك، قامت سوريا بمساعدة الجهد الحربي لنظام صدام حسين عن طريق تهريب معدات عسكرية محظورة بموجب العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة، إلى بغداد·
هذا هو الجانب القاتم من الصورة الخاصة بالسلوك السوري ، أما الجانب المشرق، فيكفينا أن نذكر في هذا المقام أن سوريا قد اشتركت في مفاوضات السلام التي جرت تحت رعاية أميركية مع إسرائيل بغرض التوصل إلى اتفاقية سلام بين الطرفين، وأن هذه المفاوضات قد استمرت حتى عام ،2000 عندما قرر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد التوقف عنها، عندما أدرك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك غير مستعد لإعادة جميع الأراضي السورية التي احتلتها إسرائيل عقب حرب الأيام الستة عام ·1967 بالإضافة إلى ذلك، قامت سوريا العام الماضي بالمصادقة على المبادرة السعودية التي قدمها ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز لتطبيع العلاقات بين الدول العربية جميعها وإسرائيل، بشرط انسحاب الأخيرة إلى خطوط ما قبل الرابع من يونيو ·1967
وفي السنوات الأخيرة كان قلق إسرائيل بشأن وقوع هجوم إيراني عليها أكبر من قلقها بشأن وقوع هجوم سوري · ومنذ أن تولى الرئيس الحالي بشار الأسد الحكم في سوريا منذ ثلاث سنوات، أعرب المحللون الإسرائيليون عن قلقهم من احتمال أن يكون الرئيس الجديد أكثر استعدادا لتقبل المخاطر من والده الراحل· بيد أن الأمر المهم في هذا السياق، هو أن إسرائيل لم توجه اتهاما إلى سوريا بأنها كانت الجهة المحرضة على شن الغارة الانتحارية على مطعم مكسيم في حيفا ، كما أنها لم تتهمها حتى بأنها كانت على علم مسبق بوقوع العملية· ولكنها أكدت مع ذلك، أن قيادة الجهاد الإسلامي في سوريا هي التي أصدرت توجيهاتها بتنفيذ تلك العملية·
وتشعر سوريا بالقلق بسبب اعتقادها بأنه منذ أن وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001على نيويورك وواشنطن، فإن الإدارة الأميركية باتت مستعدة للصفح عن أي دولة تقوم بالهجوم على دولة أخرى بحجة أنها تقوم بذلك في نطاق الحرب المضادة للإرهاب الدولي· وعندما تطرق الرئيس جورج بوش إلى موضوع الغارة الإسرائيلية على الأراضي السورية في خطابه الذي ألقاه يوم الاثنين الماضي، فإنه حاول أن يخفف من وقع تصريحه الذي قال فيه إن إسرائيل يجب أن