من يصدق أن يصل بنا الحال في العالم العربي إلى هذا الحد من السقوط، فها هو شارون يتصرف كما يريد، يقتحم مدن الضفة الغربية ويتنصل من كل اتفاقات السلام، ويقصف سوريا ويعاقب الفلسطينيين جماعياً· وها هي الولايات المتحدة الأميركية تحتل العراق، وتبرر الفوضى وحالة عدم الاستقرار والانفلات الأمني وتدهور الوضع الإنساني على أنه ناتج عن بعض الأخطاء اللوجيستية، وعدم القدرة، كما يدعي الأميركان، على التخطيط السليم للوضع العراقي فيما بعد صدام، وفي كل يوم يتم الإعلان عن تكليف مسؤول أميركي بإدارة الملف العراقي· إنها أزمة في المجتمع والدولة في العالم العربي·
الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل تستخدمان المنطق ذاته، وهو تأديب الدول التي تختلف مع الولايات المتحدة في تفسيرها للإرهاب، وبالتالي على هذه الدول الخضوع أو دفع الثمن· وفي ظل هذه الأحداث نشهد نهاية دور المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وشيعت جنازة القانون الدولي والمعاهدات والأعراف الدولية إلى القبر، وإذا حاول البعض استعادة ذكرى هذه المواثيق يجدها قد أصبحت من التراث، وهكذا أصبح المشهد السياسي العربي مشهداً يدعو إلى الشفقة ·
ولكن السؤال الحتمي هو: كيف وصلنا إلى هذه الحالة المزرية؟ لماذا تُنتهك أراضينا وحرماتنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا وتتعرض ثقافتنا إلى هجوم شرس؟ هل السبب يكمن في العداء الغربي اليهودي للعرب والمسلمين؟ بالطبع هذه أسهل الإجابات، من خلال لوم الآخرين، وإرجاع الأسباب إلى تلك القوى الإمبريالية الاستعمارية الغاشمة· وحتى لا أطيل عليكم، فإنني أبادر بالإجابة على السؤال، بأن هناك ثلاثة أسباب لهذا الوضع العربي المخزي:
أولاً: فشل النخب السياسية العربية، وعلى رأسها صدام حسين الذي تخبط، ووجد من يؤدبه على جرأته واستكباره في العالم العربي، فهل يعقل أن يبقى صدام حسين في سدة الحكم بعد اعتدائه على الكويت وجرأته السابقة وصلفه اللاحق، وتطاوله على كل من حاول أن يسدي إليه نصيحة مخلصة لصالح شعبه ووطنه؟ وهل يعتقد أحد أن الولايات المتحدة ستقوم باحتلال العراق لو كانت النخبة السياسية الحاكمة في العراق نخبة عقلانية تحترم جيرانها وتراعي شعبها؟ لقد سقط النظام العراقي كنموذج تسلطي عنيف لا يعترف بحقوق الإنسان ويستبيح المجتمع المدني، ويتناسى أية علاقة تربط الحاكم بالرعية، ثم بقية النخب الحاكمة، خاصة التي صنعت الجمهوريات العربية بشعاراتها الزائفة، ومنظوماتها الأمنية السرية والعلنية، حيث تبدأ حياة الإنسان في هذه الجمهوريات بشهادة الميلاد، وتنتهي بذلك الملف الأمني الكبير لمطاردته حتى مماته· وهل نعتقد أن شارون سيتمكن من قتل الشعب الفلسطيني وتدميره، لولا وجود الرمز الفلسطيني الفاشل عرفات الذي أعلن تأييده لاحتلال صدام للكويت، بالرغم من احتلال إسرائيل لفلسطين وحاجة عرفات لتأييد كل العرب، فكان الأحرى به ألا يشارك في الفتنة· وعرفات أيضاً هو الذي لم يفهم صفقة باراك وأبعادها وتداعياتها، كما أساء فهم نتائج الحادي عشر من سبتمبر، وهو الذي لا يزال يعتقد أنه يستطيع التغلب على شارون وجهازه القمعي، فهل نستطيع أن ندين شارون دون لوم عرفات؟ وهناك مثال آخر، دولة عربية تضع شعبها تحت الحصار برفض الاتهام الدولي لها بتفجير طائرة مدنية، ويظل الحصار لسنوات، ثم فجأة نجدها تدفع مليارات الدولارات لضحايا الطائرة! هل هذه عقلنة؟! ثم تأتي المعارضة السياسية في العالم العربي مجسدة في أشخاص يحاولون العيش خارج التاريخ والمجتمع، قيادات وجماعات وتنظيمات إرهابية تعيش في الجبال وتخطط لعمليات إرهابية فتاكة يموت من خلالها آلاف الأبرياء، وتحاول إثبات أن من يعيش في الجبال والكهوف يستطيع ضمان التاريخ! هذه هي قمة المسخرة السياسية والمهزلة العقلية، مجموعة من أصحاب الكهوف، وقاطني الجبال يهددون النظام الدولي! بالطبع اللوم على من يصدقهم·
ثانياً: فشل الفعل الحضاري، هنا نتحدث عن التعليم والبحث والتطوير والقيمة المضافة الاقتصادية، أي ما هو المستوى التعليمي والمعرفي في تطوير الموارد البشرية على مستوى الوطن العربي، وما هو حجم المساهمة الفكرية والمعرفية للعالم العربي على مستوى الحضارة الإنسانية؟ وما هو وضع تطوير الاقتصادات المحلية وقدرتها التنافسية على المستويين الإقليمي والعالمي؟ وهل هناك أية مساهمة مؤثرة للاقتصاد العربي على الاقتصاد العالمي؟
ثالثاً: الفشل في فهم التاريخ، وهنا سنتناول فقط جانباً واحداً من فهم المنظومة الدولية الراهنة والتطور التاريخي· هناك إدارة أميركية تختلط عليها الأمور، ولكنها واضحة في استنتاجاتها وهي العدو هو الإسلام ومن يقود المسلمين في الشرق الأوسط وهم العرب ، بالطبع هذه عبارات مبسطة للأزمة· فهل إنشاء دولة في شرق تيمور ليس بفعل مسيحي مضاد للدولة في إندونيسيا، أليس عدم التفكير في الحالة العراقية فيما بعد صدام حسين عملا هدفه الوحيد أمن إسرائيل، أليس تجاهل الوضع في أفغانستان، خاصة الحالة الإنسانية هناك، معاكساً لهدف أميركا في مكا