تنعقد قمة دول المؤتمر الإسلامي في ماليزيا هذه المرة، وفي منتصف الشهر الحالي· وقد اتخذت ماليزيا (مهاتير محمد بالطبع) للمؤتمر شعار المعرفة والأخلاق دعامتان للنهوض · والواقع أنه ما انعقدت قمة بخطورة هذه القمة، لجهة التحديات الماثلة، ولجهة المستقبل المضطرب للعالم الإسلامي كله والعالم العربي بالذات· ولا يعني هذا أن أيام وعقود القرن الماضي مرت على منظمة المؤتمر الإسلامي رُخاء وهدوءاً· فقد تكونت المنظمة بعد إحراق المسجد الأقصى من جانب المتطرفين اليهود عام ،1968 وظلت تنعقد قمة واجتماعات لوزراء الخارجية، أحياناً بانتظام عادي، وأحياناً أخرى بشكل استثنائي، كما حدث خلال الانتفاضة الثانية، وعشية الغزو الأميركي للعراق· ولو تأملنا الموضوعات السياسية التي عولجت لوجدنا 60% منها عربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية· وقد جرى دائماً بحث قضايا اقتصادية وتنموية· وطُرحت منذ أواخر الثمانينيات مسألة السوق الإسلامية، وما تزال تُطرح في كل مؤتمر قمة، إن لم يكن من جانب لجنة المؤتمر، فمن جانب رؤساء الدول، ووزراء الخارجية، في أحاديثهم وكلماتهم أمام القمة· وما كانت هذه هي المرة الأولى التي تُطرح فيها المسألة أو المسائل الثقافية· فقد شكّل المؤتمر الإسلامي في الثمانينيات لجنة للنظر في إعلان إسلامي لحقوق الإنسان، وصار الأمر رسمياً في إعلان القاهرة عام ،1990 ثم وافقت عليه القمة معدلاً في طهران عام ·1997 وعندما كانت إيران رئيس القمة، شدد الرئيس خاتمي على مسألة حوار الحضارات، وصدر إعلان عن القمة بذلك، ثم جرى التواصل مع الأمم المتحدة فأعلنت عام 2000-2001 عاماً لحوار الحضارات·
هكذا كانت القمة الإسلامية منتدى دائماً للتشاور في سائر القضايا، والتعبير عن التضامن داخل المجموعة الإسلامية، وأمام المؤسسات الدولية· ومع أنها تشكلت في الحرب الباردة، وعلى خلفية صراع داخل الجامعة العربية، فإنها ظلت تنعقد بانتظام خلال العقدين الأخيرين من الحرب الباردة، وما جرت خلافات أدت إلى انسحابات أو مقاطعات، لأن القرارات تُتخذُ بالإجماع، وتُراعى فيها سائر الحساسيات، والتيارات المتضاربة أو المختلفة· ويبقى أنجح مؤسسات منظمة المؤتمر الإسلامي الفرعية ولا شك البنك الإسلامي للتنمية· فلا يكاد يخلو بلد إسلامي من مشروع تنموي أو أكثر للبنك الإسلامي، وعلى مدى العقدين الماضيين· وقد طوّر في السنوات الأخيرة مشروعات وآليات لمعاونة القطاع الخاص في البلدان الإسلامية، وليس الاقتصار على الدول· وهو يهتم على الخصوص بمشروعات القطاعات الخاصة التي تجري بين رجال الإعمال في عدة بلدان إسلامية، كأنما يُرغِمُ (من تحت) على إقامة السوق الإسلامية، التي ما أقامتها الدولُ نفسها·
يواجه مؤتمر القمة الإسلامية هذه المرة قضايا اقتصادية وسياسية وثقافية مهمة، ويواجه مسائل استراتيجية وأعباء هائلة عقب أحداث 11/9/·2001 وعندما نقول إن هناك أعباء هائلة إثر 11 سبتمبر، فإنما نعني ما يعرف بالحرب على الإرهاب وتوابعها· ومن توابعها احتلال بلدين إسلاميين: أفغانستان والعراق· ومن توابعها وجود قوات أميركية وتسهيلات في زهاء الـ15 دولة إسلامية· ومما يبعث على الأسى والرعب أن أكثر الدول التي فيها قوات أميركية أو قوات وتسهيلات، إنما استدعت تلك القوات، وفي أحيان كثيرة بدون ضغوط من الولايات المتحدة، وبدون فوائد مباشرة، باستثناء التقرب لأميركا، وإرادة الاستظلال بظل هيمنتها الشاسعة اليوم· وهذا منزعٌ جديدٌ لا نعرف له سابقة حتى في عهود الاستعمار، وما أمكن حتى لمالك بن نبي (صاحب نظرية: القابلية للاستعمار) التفكير فيها· إنه الاستعمار الودّي، أو مزاج استدعاء الاستعمار!
ومن نتائج الحرب على الإرهاب تقدم الملف الأمني على ما عداه في كل دول العالم الإسلامي، لأن الولايات المتحدة تريد ذلك· مع ما يعنيه هذا الأمر من انتشار الاضطراب داخل سائر الدول، وتخوف الناس من الضغوط التي تُمارَس عليهم من جانب الأنظمة، أو من جانب الولايات المتحدة مباشرة· ويؤدي ذلك إلى المزيد من إضعاف الأنظمة، والمزيد من تضاؤل شرعيتها في عيون شعوبها، دون أن يعني ذلك الرضا الكامل من أميركا عليها· بل إن الولايات المتحدة بسبب مبدأ الحرب الاستباقية قد لا تكتفي بالطلب من هذا النظام أو ذاك القبض على الأفراد والتحقيق معهم أو تسليمهم لها -بل تقرر أن النظام المعني لا يقوم بما يكفي لمكافحة الإرهاب ، فتشنّ الحرب نفسها على ذلك البلد، وتحتله· وعندما قامت إسرائيل قبل أيام بالضرب في العمق السوري، قال الرئيس الأميركي: لو كنا في الموقف الذي تواجهه إسرائيل، لفعلنا الشيء نفسه الذي تفعله، دفاعاً عن مواطنيها!
ومن نتائج الحرب على الإرهاب أيضاً، اضطرار دول العالم الإسلامي إلى النظر في مسألتين: التحالفات الأميركية الوثيقة خدمة لتلك الحرب، ومسألة الجاليات الإسلامية في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، والتي تتعرض لضغوط شديدة منذ 11 سبتمبر عام ·2001 في المسألة الأولى، عمدت دول كثيرة منها الهند وباكستان والصين والفيل