على رغم أن فشلها، بات مرئياً للعيان ووجعاً نلمسه، فإن النخب العربية الحالية لا زالت تداري إخفاقها بمحاولة التبرؤ من مسؤوليته والقول إنها قدمت أفضل ما يمكن تقديمه· فعلى من يقع اللوم إذاً في عدم القدرة على تطبيق الأفكار والمشروعات الخارقة التي أبدعها النخبويون منا؟ المشجب جاهز وكبش المحرقة في الانتظار··· محرقة التخلف والتبعية والهزيمة العسكرية والسياسية التي تتعمق مفاعيلها يوماً بعد آخر· أما الكبش أو الضحية فهو الشعوب العربية التي تعشق الهوان وتنفر من التقدم، ولا تشعر بأمان إلا تحت سيف الاستبداد ! هكذا ينظّر جناح المثقفين من النخبة العربية لأخطاء وإخفاقات الجناح السياسي منها، وتبريرها بالقول: إنكم قادة عظماء ابتليتم بشعوب وضيعة !
والواقع أن أمتنا هي أمة مبتلاة بمثقفيها وليس فقط بسياسييها كما كتب الدكتور علي فخرو في مقاله على هذه الصفحات الخميس الماضي· وإحدى الآفات التي لا زالت تنخر دور المثقفين العرب هي ذلك التقليد البليد لكل هبة فكر أو شعار تأتي من الشاطئ الغربي ·
ويقول الدكتور فخرو إنه كما وقع مثقفونا في مزالق الفهم الخاطئ لمفاهيم مثل القومية والاشتراكية والليبرالية والحداثة والديمقراطية··· يحاولون اليوم الانضمام إلى بعض مجانين ما بعد الحداثة في الغرب · فنجدهم يدبجون خطابات ضد أية فلسفة سياسية أو أيديولوجيا تحدد أهدافاً وقيما كبرى للممارسة السياسية في مجتمعنا· وهم بهذا التقليد المبتسر يقعون في أخطاء ضد المنطق وضد سيرورة التاريخ، وضد الطبيعة· فمجتمعاتنا ذات سياق تاريخي لم يعرف الحداثة على غرار الغرب، كما أشار الدكتور فخرو، وهي من ثم بحاجة شديدة إلى التكاتف والتعاون والتكامل لتحقيق الحد الأدنى من أهدافها، وليس إلى التفكيك الذي يتجاوز حدود النسق الاجتماعي وضوابطه· بل إن الغرب بدأ يدرك أنه بدون فلسفة سياسية (أيديولوجيا) هناك خطر كبير على الممارسة الديمقراطية نفسها·
ويثير الدكتور فخرو مسألة في غاية الأهمية، وهي أن الهدف من تكسير الأيديولوجيا كرؤية عامة تنتظم تطلعات المجتمع وأهدافه وفاعلياته التاريخية، إنما هو استفراد المؤسسات الاقتصادية الدولية الكبرى ومؤسسات الفكر والثقافة التابعة لها، بالإنسان للتلاعب بفكره وعواطفه··· دون أية التزامات تجاه الآخرين !
وهنا نتساءل: هل انتهى العصر الذي كان فيه المثقفون العرب يسخرون أقلامهم للدعاية لصالح القادة والزعماء وتزيين سياساتهم، ليأتي عصر تتحول فيه دعايتهم ودعواتهم إلى مؤسسات العولمة وآليات القهر في ثناياها ضد المجتمعات المتخلفة ، أم أن الأمر يتعلق بدورين يكمل أحدهما الآخر.


أحمد منذر - اليمن