الرأي العام في تركيا تغير بعد الحرب فعلا، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يريد أن يؤكد مجددا على مواقف هذه الدولة العلمانية البطولية كحليف استراتيجي للولايات المتحدة· ففي الوقت الراهن الذي يحتاج فيه التحالف إلى الدعم والتعزيز أمسّ ما تكون الحاجة، أصبح قادة الجيش التركي القوي الآن مستعدين لإرسال فرقة من قوات حفظ السلام إلى العراق·
البرلمان التركي وافق بأغلبية كبيرة 2-1 على الاقتراح المقدم للحكومة بالقيام بدور فاعل في تحقيق الاستقرار في العراق· فبخلاف روسيا وباكستان (حلفائنا بالاسم فقط)، وبخلاف فرنسا وألمانيا ( أعدائنا الصريحين)، لم تصر الحكومة التركية على ضرورة استصدار قرار ثان من مجلس الأمن ينزع السيطرة من أيدي أميركا وبريطانيا، كشرط لمد يد المساعدة· ومما لا شك فيه أن قرار الحكومة التركية سيؤثر على الدول الأخرى التي تتردد حاليا، كما سيؤثر على قرار الأمم المتحدة ذاته· والفضل في القرار التركي ينسب إلى رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية كوفر بلاك ، مع قدر من الدبلوماسية البارعة في أنقرة· كانت العقبة الكبرى من وجهة النظر التركية فيما يتعلق بإرسال قواتها هي منظمة قوات حزب العمال الكردستاني الذي يرأسه عبدالله أوجلان المعتقل في تركيا (p.k.k)· والتي أدت حرب العصابات التي شنتها ضد القوات الحكومية التركية إلى مصرع 35 ألف شخص·
ومن وجهة نظر الأكراد المسالمين الذين تمت حمايتهم من بطش صدام خلال العقد الماضي بواسطة القوات الجوية التابعة للحلفاء المتمركزة في قواعد في تركيا، والذين نجحوا في بناء ديمقراطية خلال تلك الفترة، فإن العقبة لا تتمثل فقط في القهر الطويل الأمد الذي تعرضت له الأقلية الكردية على أيدي الأتراك ، ولكنها تتمثل في العادة التي درجت عليها القوات التركية وهي البقاء طويلا في منطقة كردستان العراقية· ولتهدئة المخاوف التركية من وجود قواعد لقوات حزب العمال الكردستاني بالقرب من حدودها مع شمال العراق ، قدمت الولايات المتحدة وعودا بمساعدة تركيا على تفكيك حزب العمال الكردستاني ، كي تطمئن الأكراد المسالمين الذين حاربوا صدام، والذين ينشئون طرقا لنقل وتموين القوات التركية، حتى تتمكن من المرور إلى داخل العراق دون أن تؤسس وجوداً لجيشها في مدن مثل الموصل وكركوك· وفي رأيي أن الطريق البحري قد يكون هو الحل لذلك·
بيد أن المشكلة أن كل حل يحمل في طياته مشكلة جديدة· فمجلس الحكم العراقي يذكرنا بهذا الإعلان الذي كنا نراه على شاشة التلفزيون، والذي كان يصور أما لعروس جديدة تحاول أن تقدم لابنتها يد المساعدة في شأن من الشؤون المنزلية فتقول لها العروس نافدة الصبر: أماه ، إنني أستطيع أن أفعل هذا بنفسي · هذا هو ما يحدث الآن في مجلس الحكم العراقي الذي يبدي أعضاؤه المعينون تمنعا عن دعوة أية قوات حفظ سلام أخرى من دول أجنبية· فعلى رغم أنه لا زالت أمامهم شهور حتى يحصلوا على قوات شرطة مدربة خاصة بهم، فإن هؤلاء الساسة العراقيين يعرفون أن الطريق لنيل قبول الناخبين المحليين، هو أن يؤكدوا بشكل علني استقلالهم عن المحتلين الذين جلبوا لهم الحرية، وهو ما جعلهم الآن يتكبدون خسائر لاستعادة النظام·
الوقت الراهن هو الفرصة أمام الزعماء الأكراد الذين لا تشوب سجلهم في مقاومة صدام شائبة، والذين يعتبر عرفانهم بالجميل للتحالف صادقاً وغير مشكوك فيه، كي يظهروا أنهم بعيدو النظر· فلا مسعود البرزاني ، ولا جلال الطلباني يسعيان إلى الحصول على منصب رئيس العراق· إن أفضل طريقة يمكن بها خدمة مصالح الأكراد في الوقت الراهن، هي أن يقوم الزعيمان بدعم الشيعة أو حتى السنة العلمانيين، الذين سيحترمون الحكم الذاتي الكردي في إطار عراق فيدرالي·
إن الأصوات الثلاثة المسموعة في مجلس الحكم العراقي في الوقت الحالي هي أصوات أحمد جلبي (شيعي علماني كان في وقت من الأوقات مرشح البنتاجون المفضل لحكم العراق)، و إياد علاوي (شيعي علماني ذو خلفية بعثية إلى حد ما، وكان في وقت من الأوقات مرشح الـ سي·آي· إيه المفضل·· وهو قائد المجلس لهذا الشهر حسب النظام الدوري المعمول به)، و عدنان الباجه جي (سني، شغل سابقا منصب وزير خارجية العراق ومدعوم من قبل المصريين والسعوديين ومن قبل جاك شيراك كذلك) علما بأن علاوي بالذات يكتسب زخما سياسيا مستمرا· والسياسيون الثلاثة يعرفون أن المجلس أبعد ما يكون عن الاستعداد لعقد انتخابات· وأقل قدرة بكثير، من أن يقمع البعثيين السابقين والعرب الأفغان الذين يسعون إلى تخريب الحكومة الوليدة·
ونظرا إلى أن الزعماء الأكراد، ليسوا في حاجة للتقرب إلى الناخبين العراقيين المحتملين عن طريق رفض المساعدة التي يحتاجها التحالف في صورة قوات أجنبية جديدة، فإنهم أصبحوا يمثلون عنصرا حاسما في مستقبل العراق الحر· لكن عليهم أن يحذروا من خطرين هما: أولاً، تعجل إنهاء الاحتلال قبل أن يتم تأسيس الحكم الدستوري· ثانياً، تشجيع تيار الانعزالية الجديدة في أميركا، وقطع المعونة الأميركية عنهم إذا ما قاموا بعضّ