تحدثت مؤخرا مع شخص أميركي عاد إلى الولايات المتحدة بعد عشرين عاما أمضاها في إسرائيل· لم يكن حديثنا بغرض النشر، ولذلك فسوف أحجب اسمه، وأحجب الوظيفة التي كان يقوم بها ليكسب عيشه· ولكنني سأقول إنه معروف إلى حد ما في إسرائيل، وإنه يحبها حبا جما، ولكنه مع ذلك تركها -ربما إلى الأبد- لأنه لم يعد يحتمل الحياة فيها·الرجل باختصار مثال حي على ضحايا الإرهاب· كم هناك يفكرون مثله؟ لا أدري· هذا الرجل لديه شيء يعد من أغلى المقتنيات في هذا العالم وهو جواز السفر الأميركي، ومع ذلك، وللأسف الشديد ، ومع تساؤلات تنال من شجاعته ، استخدم هذا الرجل الجواز الأميركي للخروج من إسرائيل· السبب في ذلك كما يقول إن مشروعه هناك قد ضاع، وإن حياته نفسها كانت دائما في خطر ، وهو ما لم يكن قادرا على تحمله·
في الحرب المستمرة مع إسرائيل نجد الأعداء هم الذين يكسبون· فالاقتصاد الإسرائيلي وصل إلى حالة بالغة السوء، والآباء يطلبون من أبنائهم عدم الخروج· وربما يكون الشاطئ آمنا كما يفترض، ولكن هذا لا ينطبق على الكافتيريات والمطاعم الموجودة على تلك الشواطئ · وركوب الحافلات في إسرائيل أصبح من العذابات، وقد جربت ذلك بنفسي· فأنت عندما تركب حافلة في إسرائيل، فإنك لا تتوقف عن النظر إلى من هم حولك وتسأل نفسك كيف يبدو المفجر الانتحاري؟ آخر هؤلاء المفجرين الانتحاريين، كانت امرأة تبلغ من العمر التاسعة والعشرين، خريجة مدرسة حقوق· قتلت اليهود والعرب معا· وهكذا فإن الأماكن الآمنة لم تعد آمنة· لذلك فإني لا ألوم إسرائيل عندما ترد على الضربة بالضربة، وتقوم باغتيال قادة حماس و الجهاد الإسلامي ، وتحاصر عرفات وقد تقتله· وفي سبيل ذلك أيضا قامت بضرب معسكر إرهابيين مزعوم في سوريا· ومع ذلك فإن أيا من الأعمال التي قامت بها إسرائيل لم يجلب لها السلام والأمن· عندما تقرأ الصحف الإسرائيلية هذه الأيام تحس بنبرة اليأس السائدة· فبالنسبة للبعض وخصوصا اليساريين فإن المجتمع الإسرائيلي أصبح بالفعل مجتمعا مصابا باختلال وظيفي· فالفساد تحول إلى وباء· والمتعصبون الدينيون أصبحوا يتمتعون بنفوذ هائل· ورؤيتهم لإسرائيل الكبرى أصبحت تحتم عليهم بناء مستوطنات جديدة في غزة والضفة الغربية، أو تكثيف المستوطنات القائمة بالفعل· ومع كل عملية انتحارية يغدو الخيار العاقل، وهو الانسحــــاب مـــــن الأراضي المحتلة، وكأنه ضعف أكثر منه حكمة·
يجب على إسرائيل أن تعود إلى ما وراء الخط الأخضر الذي كان يفصل الأراضي العربية عن أراضي إسرائيل قبل حرب الأيام الستة· ويجب عليها أن تفكك معظم المستوطنات· ويجب عليها أن تفعل هذا بأقصى سرعة لأن طول الاحتلال يجر الفساد، وفي النهاية يتحول استمراره إلى ضرب من المستحيل· وكلما أطالت إسرائيل أمد الاحتلال، كلما وجدت أقدامها تغوص في مستنقع يوجد فيه العدو في كل مكان· فمنذ سبتمبر 2000 وحتى فترة قريبة، تم تسجيل وقوع 17,400 هجوم في الأراضي المحتلة، كما أن 40 في المئة من الحوادث والهجمات نتجت عنها وفيات· فحتى عندما يقوم الإرهابيون بعمليات في أرض إسرائيل قبل ،1967 فإنهم عادة ما يكونون قادمين من الضفة الغربية·
ومع ذلك وجدنا شارون في الآونة الأخيرة يقرر ضم مستوطنتين إلى الجانب الإسرائيلي من الجدار الفاصل، الذي يتم بناؤه كي يفصل الدولة اليهودية عن الضفة الغربية· وبقيامه بذلك فإنه يقوم بإطالة أمد المشكلة التي يعاني منها· خصوصا وهو بحاجة إلى الخروج وليس إلى البقاء·
تتصرف إسرائيل اليوم وكأنه ليس ثمة علاقة بين ما حدث من قبل، وما يحدث الآن· ولكن التاريخ يلوم إسرائيل حول هذه النقطة· إن الأماكن الوحيدة التي نجحت ثقافة غربية فيها في زرع نفسها، هي تلك الأماكن التي تم فيها استخدام الضغط السكاني الكبير، وأساليب الإبادة الجماعية، في استئصال السكان الأصليين· وهذا ما حدث في الولايات المتحدة الأميركية·
أساليب الإبادة الجماعية خيار غير وارد· فلا العالم، ولا الأخلاق الإسرائيلية تسمح بذلك· ومع ذلك فإننا نرى أن إسرائيل تقوم بيدها بمفاقمة الصعوبات التي تعاني منها· فبدلا من أن تنسحب إلى داخل حدودها التي يشكل فيها اليهود أغلبية، فإننا نراها تتعلق بالمستوطنات التي يشكل فيها اليهود أقلية· إن كل مستوطنة جديدة، وكل يوم جديد من الاحتلال، يضع إسرائيل في مواجهة أخطار تتفاقم بشكل مطرد· إن كل مستوطنة تشكل استفزازا· وإبعاد عرفات أو قتله لن يحقق لإسرائيل شيئا، بل سيجعل منه شهيدا وسيفاقم من الفوضى· والحقيقة أن الرجل نفسه عرض من أعراض المشكلة التي تعاني منها إسرائيل· إن الحلم الصهيوني الشاعري قد تحول إلى أشلاء متناثرة· لا أحد يريد الذهاب إلى إسرائيل· على العكس الناس يريدون الرحيل منها· وفي مقابل كل عملية انتحارية جديدة يخيب أمل عدد لا يحصى من الإسرائيليين ويرحلون إلى الخارج · ففي الشهر الماضي وحده غادر إسرائيل إلى الخارج 22 مواطنا بحسب زائيف شيف المراسل العسكري الذائع الصيت لصحيفة هآرتس الإسرائيلية·
إسرائيل تضرب· لقد قامت الآن بقصف سوري