تعرضت سوريا يوم الأحد الماضي لضربة جوية إسرائيلية لأحد مواقعها العسكرية في غرب دمشق· والحقيقة أن هذه هي الضربة العسكرية الأولى التي توجهها إسرائيل ضد أهداف عسكرية داخل سوريا منذ الاحتلال العسكري الإسرائيلي للبنان·
وتأتي هذه الضربة العسكرية كنقطة تصعيد خطيرة تقدم عليها حكومة شارون اليمينية، التي قطّعت الأراضي الفلسطينية إرباً إرباً، لتقضي على الانتفاضة خلال ثلاثة أعوام خلت، ولم تنجح إلا في حصد الحنظل المرّ من هذا الاحتلال· وقد وصل النزق العسكري الإسرائيلي إلى التهديد بقتل عرفات أو نفيه، ولما لم ينجحوا في ذلك، حاولوا تصدير إخفاقاتهم السياسية بضربات عسكرية ضد دولة عربية مجاورة·
والحقيقة أن السيل قد بلغ الزبى من العجرفة الإسرائيلية، فقد شجع الاحتلال الأميركي للعراق وتجاهل القانون الدولي، الطغاة في تل أبيب على حذو المسار نفسه في التعدي على أراضي الدول الأخرى وأجوائها، وقتل نفوس أبنائها·
وتعتمد الغطرسة الإسرائيلية الجديدة على ضعف ووهن في الكيان العربي· فالعرب قد فقدوا حليفهم التاريخي قبل عشر سنوات، وتحاول إسرائيل أيضاً أن تعزل الحليف الجديد، الممثل في الولايات المتحدة للدول التي كانت تتحالف تاريخياً معها· كما أن حيازة إسرائيل الأحادية لأسلحة الدمار الشامل النووية قد أغرت العسكريين الإسرائيليين باقتراف آثام بحق جيرانهم، لأنه لا رادع لهم من تبني مثل هذه السياسات· وها هي إسرائيل تبدأ اليوم بتصدير مشكلات احتلالها للأراضي الفلسطينية بضربات جوية ضد سوريا، وربما تمتد كذلك إلى لبنان، وتمتد مرة ثالثة إلى إيران·
ويتساءل المرء عن القوة الرادعة العربية· ففي غياب الرادع غير التقليدي العربي، فإن الدول العربية لا ترغب في تأزيم علاقاتها مع تل أبيب، بل إن بعضها في ظل الدماء الفلسطينية التي نراها كل يوم أمامنا، تسير خجولة في طريق تطبيع علاقاتها مع دولة الاستيطان الإسرائيلية·
وإذا ما نظرنا إلى العشرة أعوام الماضية، فإن أمضى سلاح عربي استخدم بنجاح ضد إسرائيل هو سلاح المقاومة الشعبية، ومع أن كل قطرة دم عربية تساوي ألف مجتاح إسرائيلي، فإن الفلسطينيين واللبنانيين قد أثبتوا بقوة إرادتهم ومقاومتهم أن العدو لا يعطي أي اعتبار للقوانين والأعراف الدولية، وأن كفاح المقاتلين والمقاومين هو الذي يجبر الأعداء على الانسحاب من أراضينا المقدسة· ومثل هذا الدرس لم يستوعب بشكل استراتيجي كافٍ في معظم العواصم العربية، خاصة في الظروف السياسية الحالية التي تحاول أن تقلّم أظافر العرب، بشتى الوسائل الإعلامية والدعائية والسياسية والقانونية والمالية وغيرها· ويحتاج العرب إلى الوقوف طويلاً لمنع تقليم أظافرهم بأيديهم، ومحاولة العودة إلى وضع حساب استراتيجي جديد يعيد تقييم قدراتهم في مواجهة عدوهم، حتى يرضخ ذلك العدو، ويعطي الحق لأهله، وتعود الأمور إلى نصابها الحقيقي·
العرب ليسوا دعاة حرب، بل هم دعاة سلام، ولكن السلام المنشود لا ينبع من أفواه الأباتشي، و الإف 16 · العرب لا يريدون أن يصرفوا مواردهم المحدودة على سلاح قد لا يثبت وجوده في ساحة المعركة، بل هم كذلك ملتزمون بحماية أوطانهم وأهليهم· وهم يريدون حياة حرة مسالمة مثلهم مثل أي شعب آخر يعيش على هذه البسيطة·
رسل الاستعمار والاحتلال الجدد في أوطاننا يريدون نشر الحرب والاحتلال والغزو في كل ركن من أركان عالمنا العربي والإسلامي· ونحن نقول لهم إن أحلام الماضي قد دفنت مع نابليون وغيره من الغزاة· وإن أبناء المستقبل لا يقبلون بأن يكونوا حطباً في جحيم الإمبراطوريات الجديدة، أياً كانت هذه الإمبراطوريات· يجب أن نمد يدنا إلى دعاة السلام في كل أرض، فدعاة السلام أقوى من دعاة الحرب والخراب· ودعاة السلام إخوة في كل مكان، لأن منطقهم هو منطق الحياة ومنطق التاريخ، أما دعاة الحرب ورسلها فمكانهم الحقيقي في مزبلة التاريخ· ويتساءل المرء ما هي الخيارات المتاحة للعرب ولسوريا على وجه الخصوص· والإجابة بالنسبة للعالم العربي هي طرد السفراء والمبعوثين الإسرائيليين من العواصم العربية، التي يجدون في بعضها مأوى· وتنظيم حملات مقاطعة للسلع الإسرائيلية في البلدان الأوروبية وداخل الولايات المتحدة نفسها·
أما بالنسبة لسوريا، فإنها لا تستطيع المواجهة المباشرة لآلتها العسكرية مع إسرائيل، ولكنها تستطيع أن توجه ضربات موجعة للمصالح الإسرائيلية بطرق غير مباشرة، كما أن من مصلحة سوريا ألا تستعدي الولايات المتحدة، خاصة في ظل ظروف الاحتلال في العراق· ومن مصلحة سوريا الدخول في حوار مهم مع الطائفة الدرزية في إسرائيل، ومحاولة جذبها للصف العربي الذي تنتمي إليه في الأصل·
كما أن معسكر السلام في إسرائيل يمثل حليفاً طبيعياً للفلسطينيين وللدول العربية، ويمكن فتح حوار غير رسمي بين منظمات غير حكومية في سوريا وبين هذه المجموعات·
والشيء المؤكد أن سوريا تقدمت باحتجاج لمجلس الأمن ومشروع قرار يدين الاعتداء الإسرائيلي الجديد، ومما أعلنه الرئيس بوش من مباركة للأعمال العسكرية