هل صحيح أن إسرائيل نفذت عدوانها الجوي الأخير ضد سوريا بسبب العملية الفلسطينية في حيفا؟ وإذا كان الأمر كذلك فما علاقة سوريا بالأمر لتنتهك سيادتها ويخرق القانون الدولي ويعتدى على الشرعية الدولية؟ وهل منفذو العملية في حيفا انطلقوا من سوريا؟ أم أنهم يقيمون داخل الأراضـي المحتلة؟ هل الشهيدة جردات جـــاءت من ســـوريا أو تدربت فيهـــا أو تلقت دعماً منها؟ وهل صحيح الادعاء ان قادة المنظمات التي تسميها إسرائيل إرهابية وتنفذ عمليات ضدها موجودون في دمشق؟ ألا تعلم إسرائيل وأجهزة أمنها ومن يدعمها ان القادة الأساسيين المركزيين موجودون داخل الأراضي المحتلة؟ ألم تعتد إسرائيل عليهم؟ ألم تحاول اغتيال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وغيرهما من القادة؟ ألم تقتل غيرهما؟ ألا يعتقل الجيش الإسرائيلي يومياً عدداً من قادة المقاومة ويقتل عدداً آخر ويغادر الجميع داخل كل المخيمات والمناطق؟
في الواقع، وباعتراف عدد من المسؤولين الأمنيين الاسرائيليين فإن العدوان ضد سوريا كان قد أقر منذ مدة وترك للقيادة أمر التوقيت· وبالتالي فهو تم عن سابق تصور وتصميم وفي سياق مخطط كامل بدأ في السياسة بحملة ضد سوريا لم تتوقف، وبتركيز عليها· تارة بحجة امتلاكها أسلحة دمار شامل، وطوراً بحجة دعمها للمقاومة في لبنان ومرة بحجة علاقاتها مع إيران واستقدام شحنات أسلحة منها وتحويلها إلى حزب الله اللبناني، ومرة أخرى لأنها تدعم حركات فلسطينية إرهابية !
جاءت العملية الارهابية الأخيرة ضد الأراضي السورية اعتداءً على السيادة اللبنانية لأن الطائرات الحربية الاسرائيلية مرت في الأجواء اللبنانية· ثم تلا هذه العملية حادث على الحدود اللبنانية واتهام لبنان بافتعال مشكلة وتحميل المقاومة المسؤولية في وقت بادرت قيادة المقاومة إلى النفي السريع للأخبار التي بثتها إسرائيل عن مسؤوليتها عن العملية!
إن إسرائيل تخطط لاستدراج لبنان وسوريا إلى مواجهة والدخول في حرب تختار هي مواقعها وساحاتها وأوقاتها· ولماذا هذا التوجه؟
بكل بساطة لأن شارون، على رغم كونه إرهابياً دموياً ومجرم حرب، لا يقيم وزناً واعتباراً للأخلاق والأصول والقوانين والأعراف الدولية فإنه يواجه مأزقاً سياسياً أمنياً اقتصادياً في الداخل· فهو الذي أطلق وعوداً للاسرائيليين بوقف الانتفاضة وتوفير الاستقرار الأمني واستخدام كل الأساليب القمعية الإرهابية ولم يحقق شيئاً من الوعود· بل تعيش إسرائيل حالة استنفار أمني شامل وقلقاً مستمراً وتراجعاً اقتصادياً كبيراً· حتى أن كبار المسؤولين الاسرائيليين وعلى رأسهم شارون يتجنبون الخروج في مناسبات عامة وإلى مراكز عامة وهذه حالة لم تشهدها إسرائيل من قبل· ويستمر القادة الأمنيون في إسرائيل في سياسة الهروب إلى الأمام محاولين تنفيس أحقادهم والمزايدة على بعضهم بعضا بقتل أكبر عدد من الفلسطينيين·
إن إسرائيل التي تملك أكبر ترسانة نووية في المنطقة وأقوى جيش، وكل وسائل الهجوم والعدوان وتستخدم كل أساليب الإرهاب لم تتمكن ولن تتمكن من حماية نفسها وتوفير الأمن لابنائها لأن قادتها لا يملكون الحكمة والوعي ويستندون إلى منطق القوة ولا ينظرون إلى التجارب السابقة التي أثبتت فشلها في الصراع العربي-الاسرائيلي وخصوصاً على الخطين اللبناني والفلسطيني وعلى الساحة الدولية عموماً ·
إلا أن ما يشجع إسرائيل هو الموقف الأميركي· فأميركا تعيش مأزقاً في العراق· وهي في ورطة، ومأزقاً اقتصادياً في الداخل، ومأزقاً في الشرق الأوسط عموماً· والإدارة الأميركية في أسوأ وضع لها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والرئيس الأميركي يستعد لانتخابات رئاسية في ظل هذا الوضع تطوقه ملفات وفضائح ومشكلات أخرى كثيرة ولا يريد إزعاج أو إحراج اسرائيل· ولذلك وقبل العدوان الإسرائيلي الأخير ضد سوريا، كان يكرر تفهمه لحاجات إسرائيل الأمنية وحقها في الدفاع عن نفسها، ونقل عنه كثيرون أنه سيعلق العمل على المسار الفلسطيني-الاسرائيلي ويعني ذلك انسحاب الإدارة الأميركية من خريطة الطريق ، والعمل على إحيائها وتطبيقها· وفي كل ذلك دعم مباشر وغير مباشر لاسرائيل وحكومتها الإرهابية، لاسيما وأن الموقف الأميركي تراجع عن اعتبار بناء الجدار الأمني العنصري الفاصل بين المناطق الفلسطينية واسرائيل والقاضم لبعض المواقع الفلسطينية، تراجع عن اعتباره مشكلة، وأصبح انتقاده خجولاً مما دفع الإسرائيليين إلى الإسراع في خطوات البناء وإضافة عدد من المستوطنات الجديدة وزيادة عدد المستوطنين في المستوطنات القديمة والداخلة ضمن المناطق الفلسطينية·
إن كل ذلك شجع إسرائيل على القيام بعدوانها إضافة إلى دعم الإدارة الأميركية لمشروع قانون محاسبة سوريا في الكونغرس، وقيام بعض النافذين فيه بتوجيه أقسى الانتقادات لسوريا، وازدياد الضغط عليها لتليين موقفها فيما يتعلق بالعراق بعد أن أدركت الإدارة أنها بحاجة إلى سوريا لكن المكابرة التي تحكم سلوك هذه الإدارة جعلتها تعيش مشكلة دائمة ليس مع سوريا فحسب بل مع كل العالم ·
في