على رغم أن الصين والعالم العربي تفصلهما الجبال والسهول والأنهار، فان عرى الصداقة العربية - الصينية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ. ومنذ قيام جمهورية الصين الشعبية قبل 54 عاما، وهي تعتبر حليفا قريبا للعرب· فما هي محددات وأسس العلاقات العربية -الصينية؟ وكيف يرى الجانبان سبل تطويرها؟
يحاول عدد من الخبراء العرب والصينيين، في الكتاب الذي نعرضه هنا، وهو يضم مجموعة من الدراسات التي قدمت خلال ندوة آفاق العلاقات العربية الصينية في القرن الحادي والعشرين ، رصد ما لهذه العلاقات من خصوصية، وبيان ما فيها من أوجه قصور وتقدم·
وفي المحور الأول من محاور الكتاب، وهو المحور السياسي، يتناول الدكتور محمد السيد سليم أهم القضايا السياسية في العلاقات العربية الصينية، وهي الصراع العربي الإسرائيلي، وأمن الخليج، والوحدة الصينية، وقضايا الإرهاب الدولي، ثم القضايا الاقتصادية، وأخيرا المشكلات الناجمة عن العولمة· ومن ذلك ينتهي الدكتور سليم إلى منظور جديد لتطوير العلاقات العربية الصينية يتخلص في تفعيل المنتدى العربي الصيني للتعاون ، والذي طرحت فكرة إنشائه جامعة الدول العربية في سبتمبر ،1998 ووجدت قبولا من الصين في مايو ·2000 ويؤكد الباحث على أهمية المنتدى في تفعيل العلاقات بين الجانبين، سواء بالنظر إلى المتغيرات الإقليمية والدولية الحالية، أو بالنظر إلى خبرة الصين في إقامة منتديات جماعية· وبدون هذا الإطار المؤسسي، يقول الكاتب، ستظل العلاقات العربية الصينية تراوح مكانها في عالم يتسم بتغيراته السريعة ·
وفي تطابق مع الرؤية العربية، ترى الصين أيضا أهمية علاقات التبادل التي تربطها مع الدول العربية، خاصة في مجال التعاون من أجل صيانة السلم والسيادة والاستقلال، ويؤكد الباحث الصيني آن هويهون أن المستجدات التي طرأت على الوضع الدولي في القرن الحادي والعشرين، تحتم تطوير أٍسس ومقومات التعاون الودي بين الدول العربية والصين؛ ومن ذلك أولا: نزوع الولايات المتحدة إلى التوسع والهيمنة على مستوى العالم وفي مقدمته الشرق الأوسط، وثانيا: وجود تطورات عالمية تنذر بمزيد من الحروب والاضطرابات وعدم الاستقرار·
ويلاحظ الباحث الصيني أنه لا وجود لأي نوع من التضارب في المصالح بين الدول العربية والصين، على رغم تباين النظم الاجتماعية والمفاهيم الأيديولوجية··· بين الجانبين، بل إن هناك الكثير من المبررات والدواعي لتوريث تعاوننا الجدي جيلا بعد جيل ·
وتتجلى النظرة الصينية إلى النزاع العربي الإسرائيلي، من خلال البحث الذي قدمه وانغ جنفليه، والذي يصف ذلك النزاع باعتباره معقدا وغير مألوف · أما الانتفاضة الفلسطينية فهي بطبيعتها جزء من حركة التحرر الوطني الفلسطينية المتواصلة منذ 55 عاما· ويحدد الباحث الصيني ثلاث مراحل أساسية مر بها الصراع العربي الإسرائيلي في مجمله، هي مرحلة المجابهة الشاملة، ومرحلة المواجهة الاستراتيجية، ومرحلة التسوية السياسية·
وفي دراسة بعنوان الولايات المتحدة في الشرق الأوسط: مصالحها الاستراتيجية وتحولات سياساتها ، يستعرض تشيو شنغيون، السفير الصيني السابق لدى الأردن، السياسات الشرق أوسطية للرؤساء الأميركيين السابقين على بوش الابن، مثل نيكسون وكارتر اللذين توسطا في إنجاز السلام بين إسرائيل ومصر· ويلاحظ أنه كلما قللت الولايات المتحدة دعمها لإسرائيل كلما اتجه الصراع العربي الإسرائيلي نحو الانفراج، وقد حدث ذلك في عهد نيكسون الذي كان أقل اعتمادا من سلفه جونسون على الدعم السياسي والمالي والإعلامي من جانب اليهود الأميركيين ·
وإذا كان الدعم والانحياز الكامل لإسرائيل هو أحد ثوابت السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن انحياز الرئيس بوش الابن إلى الدولة العبرية بلغ ذروته، حين اعتبر النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي عملا إرهابيا·
أما في المحور الاقتصادي، فتبين الدراسات الواردة في الكتاب أسس العلاقات الاقتصادية القائمة بين الدول العربية والصين ، حيث تناولت الدكتورة ميرفت تلاوي تحت العنوان نفسه أربع قضايا؛ أولاها واقع هذه العلاقات في مجال الاقتصاد والتجارة، وثانيتها النشاط الاستثماري للصين في البلاد العربية، أما الثالثة فهي الآثار التي سيرتبها انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية على تلك العلاقات، وأخيرا سبل السعي إلى دعم وتقوية العلاقات العربية الصينية·
وفي نهاية الدراسة تصل الباحثة إلى ملاحظات ختامية تؤكد على أن العلاقات التجارية التي تربط الصين بالبلاد العربية، ستزداد مستقبلا باطراد، إذ أن النفط الذي يشكل الجزء الأعظم من واردات الصين من البلاد العربية، سيكون في ازدياد مستمر على مر الزمن·
ويعرض زهانغ سانع، سفير الصين السابق في عمان، عدة تصورات حول سبل توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية في القرن الحادي والعشرين؛ منها التركيز على الطاقة كمحور لتطوير التعاون الشامل بين الجانبين، والدفع الحثيث لتعظيم الاستثمارات المتبادلة، وإصلاح القطاع العام، والتوجه