في حقبة الحرب الباردة التي هيمن عليها التوتر، احتلت مسألة سرد القصة الأميركية في الخارج أعلى سلم أولويات حكومة الولايات المتحدة·
وفي الأمم الأسيرة التي كانت الأخبار فيها خاضعة للرقابة، كانت إذاعة صوت أميركا والأقسام الإذاعية الأخرى تبث البرامج والأخبار حول العالم الخارجي والفقرات الخاصة حول أميركا وسياساتها·
وقد جرى تجنيد تيار من المحاضرين والراقصين والموسيقيين وإرسالهم إلى الخارج لتقديم العروض، وللتحدث حول كل ما هو أميركي من علوم وطب وسياسة وصحافة· وقد كان هناك تيار معاكس تم انتقاء أعضائه بعناية من بين البرلمانيين وزعماء الحكومات ومحرري الصحف والأكاديميين والطلاب الأجانب، للقيام بزيارات إلى الولايات المتحدة الغرض منها التأثير فيهم باطلاعهم على الإنجازات والقيم الأميركية وروح المودة الأميركية·
كل ذلك جرى برعاية وكالة الإعلام الأميركية (USI)، وهي وكالة حكومية مستقلة جرى اختيار المخضرمين من مسؤولي العلاقات العامة لديها لتعيينهم في السفارات الأميركية· وقد جرى تكليف هؤلاء بمسؤولية خاصة يقومون فيها بتثقيف وصقل مهارات المحررين والمراسلين والمذيعين ومديري الأخبار في محطات التلفزيون، وكان الهدف من ذلك إبلاغ وجهة النظر الأميركية إلى غايتها، حتى إذا كانت موضع خلاف شديد·
لكن مع انتهاء الحرب الباردة، هبط سرد القصة الأميركية إلى درجة أدنى على سلم الأولويات، إذ تقلص التمويل وتم إلغاء وكالة الإعلام الأميركية ، وجرى ضم فاعلياتها في طيات عمل وزارة الخارجية،حيث فترت نشاطات بقاياها الضعيفة أصلاً في ظل النشاطات الدبلوماسية التي حظيت بتمويل أفضل وجرى اعتبارها مسألة أكثر إلحاحاً·
لكن شيئاً غريباً حدث في الطريق إلى السلام العالمي، إذ انحسر تهديد المواجهة النووية الأميركية-السوفييتية، غير أن النزاعات الإقليمية البشعة اندلعت واستعرت نيرانها، وفي المشهد: صدام حسين يغزو الكويت فتخوض أميركا الحرب ضده، وأفغانستان تتحول إلى قاعدة لـ طالبان ومنظمة القاعدة · الإرهابيون يعلنون الحرب على أميركا، بل ويأتون بالحرب إلى عقر دارها، ثم تخوض أميركا الحرب مرة أخرى ضد صدام حسين، وتغتاظ أميركا من المقدرات النووية في دول مارقة مثل كوريا الشمالية وإيران، ثم تعيب أوروبا على السياسات والممارسات الأميركية وتنطلق موجة عداء لأميركا تكتسح العالمين العربي والإسلامي·
ولا عجب هنا أن مختلف المؤسسات والمراكز الفكرية والهيئات الاستشارية ومراكز الدراسات، قد دأبت كلها على الدعوة إلى إطلاق مبادرة رئيسية جديدة لتلميع صورة أميركا في هذا العالم الذي يتميز غضباً· ويطلقون على تلك المبادرة اسم الدبلوماسية العامة، وهي تعني الوصول إلى الجماهير التي تؤثر في حكوماتها، في حين يواصل الدبلوماسيون النظاميون محاولات التأثير في الحكومات·
وقد صدر التقرير الأحدث في هذا الصدد الأسبوع الماضي عن إحدى الهيئات الاستشارية لدى وزارة الخارجية، وهي هيئة يرأسها إدوارد جيرجيان الناطق السابق بلسان البيت الأبيض والخبير في شؤون العالم العربي· وقام الكونغرس بتفويض الهيئة بمهمة تعزيز الدبلوماسية العامة، لا سيما في العالمين العربي والإسلامي، كما أوصت بإنفاق المزيد من الأموال وبتدريب المزيد من مسؤولي العلاقات العامة الذين يتحدثون اللغات الشرق أوسطية بطلاقة، وبتعيين خبراء وبث البرامج على شبكات التلفزة العربية لتقديم شرح للسياسات الأميركية، وبإصلاح المزيد من برامج التبادل التعليمية والثقافية التي أجادت وكالة الإعلام الأميركية في إدارتها· كما حثت الهيئة على تعيين مستشار خاص في البيت الأبيض يكون معنياً بالدبلوماسية العامة ومسؤولاً أمام الرئيس مباشرةً·
إذاً، لماذا لا يجري من جديد استحداث وكالة الإعلام الأميركية ليرأسها شخص يتمتع بصفات مديرها السابق الراحل إدوارد مورو ، ليكون الناصح الأمين للرئيس؟
جون هيوز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب - كريستيان ساينس مونيتور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور