على الغرب أن يتفهم ويدرك الجذور العميقة لإحساس كثير من المسلمين بالظلم وبالآلام التي تساعد على نمو الإرهاب والصراعات العنيفة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا·
والمسؤولية لا تقع على عاتق العالم الإسلامي وحده ولكنها أيضاً مسؤولية الآخرين، ومع الأسف فإن العالم الإسلامي يجد نفسه اليوم مشتركا في كل النزاعات السياسية حول العالم، لكن الغرم يقع عليه وحده في نهاية الأمر. من فلسطين إلى كشمير إلى العراق وأفغانستان والشيشان، حيث على الغرب مسؤولية حل هذه النزاعات الأليمة، ينظر المسلمون ويرون أن العدل لا يتحقق وهم ضحايا الظلم، ذلك المعنى المقصود بأن ينظر الغرب ليس إلى ظاهرة الإرهاب ولكن أن يتفهم ويعالج جذورها العميقة ومخلفاتها التي جعلت العالم الإسلامي من أفقر وأبأس دول العالم ·
وهذه الكلمات الواضحة ليست صادرة عن محلل سياسي أو كاتب إسلامي معاد للغرب، إنها كلمات صادرة عن رئيس ثاني أكبر الدول الإسلامية عدداً، وحليف وشريك الغرب (لنقل أميركا)، في الحرب الدولية المعلنة ضد الإرهاب المسمى إسلامياً·· وكلمات الجنرال برويز مشرف رئيس جمهورية باكستان الإسلامية، جاءت في صدر حديث صحافي نادر، نشر أخيراً في كندا أثناء زيارته الأخيرة لها·
لكن الحديث الصحافي -الرسالة المفتوحة- الذي أدلى به الرئيس الباكستاني، تعدى محور العلاقات بين بلاده وكندا، وأراد به، رسالة موجهة منه إلى الغرب محورها علاقات الغرب (لماذا لا نقول أميركا؟) مع العالم الإسلامي الذي يعتبر مشرف أحد أهم رموز الاعتدال فيه، الذي هو بكل المقاييس اليوم أهم وأكبر حلفاء الغرب في هذه المعركة الضارية التي سموها الحرب الكونية ضد الإرهاب الإسلامي ·
في حديث الجنرال المطول عدة إشارات تحدث فيها كمسؤول مسلم يرى أن هذا الصراع المأساوي بين من سماهم هو المتطرفين الإسلاميين والغرب، هو صراع المتضرر منه ليس الإسلام كعقيده ولكن المسلمين. وهو يرى أن الغرب الذي يجب أن يتفهم جذور هذا الإرهاب الممتدة إلى إرهاب الدولة وليس جماعات التطرف فحسب لا يساعد المعتدلين الإسلاميين بل يخذلهم، عندما يتجاهل ولا يسعى لحل المشكلات الحقيقية والمآسي التي تواجه العالم الإسلامي.
مشرف محق في ذلك، وهو يتقدم بجرأة غير مسبوقة مقترحاً أن تبدأ باكستان حواراً حول تأسيس علاقات مع إسرائيل، الأمر الذي يجد معارضة قوية داخل بلاده وخارجها، وكأن إسرائيل تقطع الطريق على أي محاولة للسير على طريق السلام الذي حددته خريطة الطريق الأميركية·
إن الحديث عن سوء الفهم الغربي للاسلام والمسلمين أصبح حديثاً مكرراً، لكن حين يصدر مثل هذا الحديث عن مسؤول مسلم في مقام رئيس جمهورية باكستان الإسلامية وبكل وزن وثقل علاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية، يصبح للحديث المعاد والمكرر معناه ومغزاه!
يقول الجنرال مشرف: إن أوجب واجبات المسؤول المسلم أن يتسلح بفهم صحيح للإسلام وأن يدافع عن هذا الفهم الصحيح للإسلام.
فالجهاد الأكبر هو النضال من أجل توفير المتطلبات الأساسية للحياة الاجتماعية للمسلمين.. وذلك باجتثاث الفقر وتنمية التعليم وصحة البشر وتحقيق العدل الاجتماعي. ذلك هو الجهاد الأكبر، الذي يعلو على الجهاد الأصغر.. وما يتجنب مواجهته أدعياء الحرب المقدسة.. ثم يقول: تلك هي مسؤوليتنا كقادة.. وما يجب أن نتصدي له.
وتبقى الحقيقة أيضاً: أن العالم الإسلامي لا يدفع ثمن مواجهة فرضت عليه في ظرف تاريخي عصيب فحسب، ولكنه يدفع أيضاً ثمن تراكمات كثيرة من التخلف والظلم بعض مسؤولياتها من داخله وبعضها مسؤولية الآخرين كما سماهم الرئيس الباكستاني.