يبدو أن الذاكرة العربية قد أصابها بعض من النسيان، أو ربما أن مرحلة اليأس والضياع جعلت الكثير منا لا يتذكر حتى الأيام التي تحققت فيها الانتصارات العسكرية على القوى المعادية لهذه الأمة، التي تعيش في أشد مراحل التراجع بل والمهانة من قبل العالم الحر، أو ذلك الذي يدعي أنه حامي الحرية في العالم· بالأمس كانت ذكرى انتصارات أكتوبر العربية ضد الدولة العنصرية الاسرائيلية وحلفائها· كانت ذكرى أول انتصار عربي على المشروع الصهيوني· في ذلك اليوم تحقق حلم جيل عبدالناصر في كسر وتحطيم أسطورة التفوق الصهيوني على الأمة العربية، وكم كان ذلك اليوم منذ ثلاثة عقود يوماً للفرح···· للانتصار· كان يوماً من أيام التاريخ، وبمحبة الانسان المنتصر لكرامته احتفل العرب من المحيط إلى الخليج· كانت لحظة تاريخية حينما تحقق حلم الراحل عبدالناصر في تحقيق انجاز الانتصار، وبقيادة الراحل أنور السادات·
يبدو أن القيادة الصهيونية لم تنس ذلك الجرح وظلت تنتظر اللحظة لتعيد الاعتبار لذاتها المهزومة، ومما جعلها تريد القيام بردة الفعل المتأخرة، تلك· ضد الانتفاضة في الأراضي المحتلة والتي دخلت عامها الرابع على رغم أن شارون رئيس الوزراء الدموي في إسرائيل قد قطع عهداً على نفسه بأن ينهي تلك الانتفاضة في تسعين يوماً!! ومع كل المحاولات اليائسة فإن الانتفاضة ستستمر، ويبدو أنها ستظل حتى تحقق طموحات أطفال فلسطين في تحقيق قيام الدولة الفلسطينية، وارتفاع العلم الفلسطيني على أرض تلك الدولة، والعودة إلى العالم من جديد، بعدما حاولت الصهيونية العالمية أن تخفي ذلك العلم أكثر من نصف قرن من الزمان، مما لا شك فيه أن الانتفاضة هي الحرب الاستنزافية الثانية التي عانت منها الدولة العبرية خلال أقل من أربعة عقود·
لقد تأكد للعالم أجمع -ما عدا حكومة الولايات المتحدة الأميركية- أن ارهاب الدولة الصهيونية هو أعلى مراحل الإرهاب· إن هذا الكيان خلق التوتر بل وساهم في تهديد السلام والأمن الدوليين، وإن الانسان في فلسطين هو مقاوم للإرهاب، ولم يكن في يوم من الأيام ممارساً له، ففي مقابلة مع أحد قادة المقاومة أول من أمس ردد هذا القائد مراراً وتكراراً، أنه ينشد الحياة له وللآخرين ويكره الموت له وللآخرين، وأن الكيان الإسرائيلي هو الذي لم يترك للفلسطينيين فرصة للحياة: أليس من حق الشهيدة جرادات أن تثأر لأخيها وخطيبها اللذين اغتالتهما قوى القتل العنصرية الإسرائيلية أمام ناظريها وحرمتها من أن يكون للحياة أي معنى بعد قتل الأخ والحبيب· إن ذلك يذكرنا بمقاومة الشعب الفيتنامي للاحتلال وإصراره على المقاومة، فهل كان ذلك الإنسان إرهابياً أم مناضلاً من أجل نيل الحرية والاستقلال؟
إن إسرائيل اليائسة من أن تكسر شوكة المقاومة الفلسطينية قامت بغارتها الإرهابية ضد سوريا وتحت مسمى الدفاع عن النفس، أو كما يدعي بوش الدفاع عن الذات ضد الإرهاب· لقد ظلت سوريا ملتزمة بالقرارات الدولية، بل إن القيادة الشابة فيها تحاول أن تحدث اصلاحات ديمقراطية بما يواكب مرحلة العولمة، أما أن تقدم الدولة الصهيونية بتوجيه ضربة جوية في عمق دارها وفي ذكرى حرب أكتوبر، فإن هذا يتطلب وقفة عربية تتجاوز الإدانة والاستنكار وتستمد من روح حرب أكتوبر عندما تخلى العرب عن خنوعهم وتكاسلهم ووحدوا صفوفهم وأرخصوا الغالي دماً ومالاً وبترولاً، فبذلوا وحققوا النصر·
بقي ان نقول إن بعض المقولات تظل سارية المفعول حتى وإن غاب عن الساحة من أطلقها· فلا يمكن أن يطلق على المقاومة المشروعة للشعوب لنيل حقوقها صفة ارهاب، وفي الوقت نفسه يتم التصفيق والتأييد وتقديم الدعم المادي والعسكري لمن يمارس الإرهاب ضد الغير بحجة الدفاع عن النفس، ويبدو أن الشعوب العربية ستدفع غالياً ثمن هذا الدفاع عن النفس· فأراضي الضفة الغربية تقضم قطعة قطعة كل يوم وآلاف المنازل تهدم على رؤوس ساكنيها، والحياة أصبحت جحيماً لملايين الفلسطينيين، وعواصم العرب تضرب عاصمة بعد عاصمة· فلقد ضربت بيروت كما تونس ودمشق، كل ذلك يتم بحجة الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب بتغطية أميركية وسكوت أوروبي·
إن الشعوب العربية والمغلوبة على أمرها، ترى أن زمن الحجارة الفلسطينية ضد ترسانة اسلحة الدمار الشامل في اسرائيل هو الرد المباشر على الإرهاب الحقيقي في زمن مقاومة الإرهاب، ولعل تنامي الوعي العالمي بأهمية الحفاظ على حقوق الإنسان الفلسطيني هو فجر جديد، يمثل مقاومة المشروع العالمي اليميني الجديد· إن انتصار اكتوبر سيظل باقياً إلى الأبد، وهو يؤكد على امكانية دحر أسطورة القوى التي لا تقهر·
وفي الختام دعونا نقتبس من الشعراء أسلوبهم بعد أن فقدت الواقعية والعلمية والعقلانية بريقها فنقول من العتمة يولد الفجر .