فساد الاحتلال الأميركي للعراق يعيد إلى الذهن نكتة سياسية عن الملا نصر الدين، الذي يروي عنه العراقيون كثيراً من النكات الظريفة· وقعت النكتة في سوق السمك في بغداد عندما لاحظ بائع السمك أن الملا لا يفحص السمكة عن طريق شمّ رائحتها كالمعتاد، بل يشمّ مؤخرتها· سأل البائع: ملا نصر الدين، مو مِنّا يشمون السمجة! قال الملا: أعرف سمجتك عفنة من الرأس.. بس ردت أتأكد وصلت عفونتها للذيل·
من واشنطن الى بغداد تزكم الأنوف عفونة الاحتلال الأميركي للعراق· جرائم النهب والسلب والاحتيال والرشاوى وانتهاك القوانين وإفساد الذمم واستباحة المال العام وتوزيع الأسلاب على الأقارب والأصدقاء لم تشهد المنطقة والعالم مثيلاً لها إلا في عصور الانحطاط والهمجية· جرائم مغطاة بغلاف إعادة الإعمار، التي يقول عنها العراقيون حيلة ملفلفة مثل دولمة ورق العنب · بعض الجرائم يرقى الى مصاف الخيانة العظمى، في تقدير بول كروجمان أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة·
أحدث الفضائح الكبرى في هذا الصدد تخص مجموعة رجال أعمال على صلة وثيقة بالرئيس الأميركي وعائلته وطاقمه الحاكم· تدير المجموعة شركة استشارية أنشئت بعد انتهاء الحرب مباشرة تحمل اسم استراتيجيات الجسر الجديدة .New Bridge Startegies يرأس الشركة جو أولبوج، مدير الحملة الانتخابية لجورج بوش في عام ،2000 ورئيس الوكالة الفيدرالية للطوارئ حتى اندلاع الحرب في شهر مارس الماضي· بين أعضاء مجلس إدارة الشركة ريتشارد بيرت ، السفير السابق في ألمانيا في عهد الرئيس رونالد ريجان ، واللورد باول المستشار السابق لرئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر ، وشقيق جوناثان باول رئيس الموظفين حالياً في مقر رئاسة الحكومة البريطانية، و ادوارد روجرز الذي عمل مساعداً للرئيس الأب جورج بوش · وزوجة هذا الأخير إدوينا روجرز شغلت حتى وقت قريب منصب مساعد مدير المجلس الاقتصادي القومي، فيما اشتهر زوجها في المنطقة العربية إثر التوبيخ العلني الذي وجهه له جورج بوش الأب لتوقيعه عقداً بمبلغ 600 ألف دولار للتوكيل عن مسؤول عربي يحقق معه في موضوع البنك الدولي للتجارة والقروض·
وعلى النقيض من اسمها تمارس شركة استراتيجيات الجسر الجديد أساليب من النوع الذي يقول عنه العرب أكل الدهر عليه وشرب · فالشركة تعلن في موقعها على الإنترنت صراحة عن علاقاتها بعائلة بوش، وتدعو الى بضاعتها بلغة سماسرة السوق منادية على فرص سانحة اليوم في العراق لم يحدث مثيل لها في الطابع والحجم، ولا تملك معها أي شركة أخرى المهارات الضرورية والخبرة التي تؤثر في واشنطن العاصمة وعلى الأرض في بغداد · وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز ذكر مدير الشركة جون هولاند انهم لا يسعون للحصول على أية عقود حكومية، لكن يمكنهم القيام بدور الوسيط في تقديم الاستشارة لشركات أخرى عاملة في القطاع الخاص في العراق، بما في ذلك الحصول على تصريح لتسويق المنتجات هناك· ونفى جون هولاند قيام الشركة بعقد صفقات سياسية، لكنه ذكر على سبيل المثال، حسب قوله إن جو أولبوج قضى معظم حياته العملية في ميدان السياسة، وهناك كثير من التلاقح المتبادل بين ذلك العالم والعالم النظير له في العراق اليوم ·
التلاقح المتبادل عبارة ذات مغزى تكشف عنه افتتاحية نيويورك تايمز المنشورة بعنوان منجم إعادة بناء العراق · تنبه الافتتاحية الى أن طلب الرئيس بوش تخصيص مبلغ 20 مليار دولار لإعادة إعمار العراق لا يتضمن إجراءات تشريعية مُحكمة لصيانة هذه الأموال المدفوعة من قبل دافعي الضرائب الأميركيين، وتورد فضائح أعمال تلزيم المقاولات الكبرى في العراق الى شركات متواطئة مع إدارة الرئيس بوش، مثل هاليبرتن و بكتل ، وتكشف بالأرقام كذب ادعاء نائب الرئيس ديك تشيني ، أنه قطع علاقته بشركة هاليبرتن ، التي كان يرأسها قبل توليه منصبه الحالي· وتحذر نيويورك تايمز من ان الأموال المخصصة لإعادة إعمار العراق ستذوب بسبب الاعتماد على عمال ومهندسين أميركيين مُكلفين في حين يمكن بسهولة تشغيل العراقيين المهرة العاطلين عن العمل·
بصدد سهولة تشغيل العراقيين يستحق الذكر تعليق لاذع لفتاة بغدادية تحدثنا عنها سابقاً في مقال بعنوان فتاة بغدادية تكشف سر إفلاس الاحتلال الأميركي للعراق · تذكر الفتاة البغدادية في تعليقها المنشور بالانجليزية بعنوان العراق للبيع في موقعها بالإنترنت www.riverbend@velocall.com ان المقاولة التي تنال عنها هاليبرتن مليون دولار تُحول لقاء مبلغ 50 ألف دولار الى شركة عراقية محلية· كيف يقبل رجال الأعمال العراقيون بهذه المعاملة العنصرية؟·· تجيب على هذا السؤال الفتاة البغدادية من خلال قصة صديق للأسرة يعمل مع شركة إيطالية في إنشاء شبكة اتصالات في بغداد· أصحاب الشركة الأجانب يديرون العمل بواسطة البريد الإلكتروني من موقعهم الآمن في الخارج، فيما يتنقل المهندس العراقي وفريقه بين مواقع العمل الخطرة حاملين معهم الأسلاك والكابلات وغيرها من المعدات، ومعها رشاشات كلاشينكوف، عدّة ا