في حادثتين منفصلتين في السعودية والكويت رفض مستشفيان معالجة مريضين، الأول في السعودية وكان مصاباً بالإيدز، والثاني في الكويت وكان بحاجة إلى غسيل كليته ولم تكن إقامته صالحة، فرفض المستشفى علاجه· وبعد تدخلات طبية حصل على المطلوب لكنه فارق الحياة بعد عملية الغسيل· وقد احتج المستشفى السعودي بعدم تخصصه في مرض الإيدز، واحتج الكويتي بعدم شرعية الإجراءات، دون أن يكلف المسؤولون في كلا البلدين أنفسهم بالجانب الإنساني في العملية كلها، وكلنا يعلم تمام العلم أن كل طبيب ملزم وفقاً لقسم الطبيب الذي يزينون به جدران مكاتبهم، أنهم ملزمون أدبياً وجنائياً بمعالجة أي مريض يلجأ إليهم، خاصة في حالات الطوارئ· وما كان لمثل هذه الحوادث أن تحدث لولا فقداننا الجانب الإنساني في حياتنا العملية، ونمطية تفكيرنا القائمة على التمييز بين المواطن والأجنبي· لقد كان هذان المريضان من الأجانب ولم تشفع لهما عروبتهما أو إسلامهما أو حتى انتماؤهما إلى بني البشر·
القضية ليست متصلة بالتحقيق في الأمر ومعاقبة المسؤول عن ذلك، بل بكيفية معالجة وتنمية الجانب الإنساني تجاه الآخر إنساناً كان أو حيواناً، والإنسان أوجب وألزم، ولكن حتى الحيوان له روح ويتألم، لكنه لا يستطيع أن يعبّر عن هذا الألم، لذلك يهتم الغرب كثيراً بالحيوان لهذا السبب، وهو جانب لا يمكننا نحن الشرقيون أن نفهمه أو نتقبله· ولا حاجة بنا إلى تذكير شعوبنا بما يحصل للحيوانات من دهس مجاني في شوارعنا· وبسبب طبيعة الحياة عندنا فيما يخص الحيوان سنتجاهل هذا الأمر، لكن لا عذر لنا، خاصة الأطباء والممرضين والمسؤولين عن الصحة عموماً، فيما يخص الإنسان· وللأسف أن سياساتنا في العالم العربي تقوم على تمييز المواطن عن غيره من الأجانب، وبالتالي يتم تشريع خاص بالمواطنين، وآخر لغير المواطنين، ثم تأتي القرارات الإدارية في مختلف الهيئات الرسمية وغير الرسمية لتترجم هذا التمييز في الرواتب والتعليم والصحة·
لقد كان عملية الإنسان الذي احتاج إلى غسيل كليته بقيمة 600 دينار· وكان هذا هو ثمن حياته الذي لم يستطع أهله دفعه بسبب فقرهم، فجاء دعاء الأم المكلومة على أهل الكويت، حيث أن الشر يعم، والخير يخص كما يقول المثل، ولا لوم عليها·
مناهجنا التعليمية هي بدورها تقوم على التمييز حيث يحرم كثير من الأطفال من التعليم -وهذا هو حال (البدون) سواء في الكويت أو غيرها-· لذلك يحتاج أهل الكويت وحكومات الخليج تحديداً لما لديهم من خير وهبهم إياه الله سبحانه وتعالى، إلى تنمية الجانب الإنساني بتعليم أبنائنا عبر المناهج أهمية التعامل الإنساني لنضمن جيلاً مستقبلياً يتمتع بالإنسانية المطلوبة، يواكب ذلك ويسايره تغير شامل في القوانين والقرارات الإدارية في مختلف الهيئات الرسمية بالتعامل بإنسانية مع الآخرين سواء كانوا مرضى أو كبار السن أو أحداثاً· ومعاقبة المسؤول جنائياً إذا أهمل القيام بواجباته خاصة الطبيب إذ لا عذر له، لكنها نتاج التربية الرسمية والقوانين العنصرية· ترى كم نحتاج من المرضى الموتى حتى نفيق من عنصريتنا؟