في الأيام الأخيرة كتب على صفحات الأهرام القاهرية الصحفي الشهير محمد حسنين هيكل مقالا مطولا في حلقتين، أعلن خلاله اعتزال الكتابة والانسحاب من دائرة الضوء في شؤون السياسة والإعلام إلى حياته الخاصة، بعد أن أكمل عامه الثمانين · ويشي استئذان هيكل بالانصراف وهو فوق قمة مجده الصحفي، أن الرجل الذي منحه المصريون وحده لقب الأستاذ ، قد أعيت جسده وروحه رحلة 62 عاما من العمل الصحفي، وأنه يحتاج إلى استراحة محارب، لا ليستعيد قوة قلمه مرة أخرى، ولكن ليغمده إلى الأبد·
لخص هيكل في مقاله معظم الأحداث التي مرت به طوال حياته الصحفية، واستعرض العلاقة الحميمة التي ربطته بثورة يوليو وقائدها جمال عبد الناصر، ثم المحطات التي مرت بها علاقته مع أنور السادات منذ أول لحظة على وفاة عبد الناصر، مرورا بالخلاف الذي جرى بينهما وحتى خروجه (هيكل) من السجن· وأعطى هيكل تقييمه الأخير للمرحلة الناصرية ومرحلة الانفتاح، وما جرى وراء الكواليس قبل حرب أكتوبر وأثناءها وبعدها · وقدم جردا كاملا ودقيقا لمداخيله من العمل الصحفي، عندما كان طالبا متدربا في إحدى الصحف المحلية مقابل جنيه واحد، إلى أن أصبح مديرا لمجلس إدارة الأهرام براتب يصل إلى ستة آلاف جنيه·
ويبدو أن هيكل أرادا أن ينشر مقاله الوداعي أو تقريره الأخير؛ في صحيفة الأهرام التي حقق خلال عمله بها أهم نجاحاته الصحفية، قبل أن تحدث قطيعة بينهما لعدة سنوات لم تشر خلالها الأهرام مجرد إشارة إلى اسم هيكل، بينما ظل هو ينشر أروع مقالاته وكتبه خارج مصر·
ويطرح القرار الذي اتخذه هيكل بالاعتزال أو الابتعاد، سؤالا مهما: هل يمكن للرجل أن يصمت، والقضايا التي وهب لها حياته مازالت على الحال ذاته من الاستعصاء، بل التفجر؟
نادر المؤيد ــ أبوظبي