سادت موجة من الرضا والتفاؤل كل أنحاء السودان إثر توصل الطرفين، الحكومة و الحركة الشعبية إلى اتفاق حول الترتيبات الامنية التي سيتم الالتزام بها خلال الفترة الانتقالية التي ستبدأ بعد توقيع الاتفاق النهائي· وكانت جولة المفاوضات الاخيرة قد استمرت لثلاثة اسابيع وقادها من جانب الحكومة النائب الأول لرئيس الجمهورية ومن جانب الحركة زعيمها وقائدها العسكرى الدكتور جون قرنق·
إن أهم سمات الاتفاق الأمنى الأخير هو وضع أسس مشاركة القوات الحكومية وقوات قرنق وتوزيعها مناصفة في الجنوب وفي جبال النوبة وفي الجنوب الشرقي (أعالى النيل الأزرق)، إضافة إلى النص على إيجاد قوة عسكرية محددة العدد لجيش الحركة الشعبية تتمركز داخل العاصمة القومية، والاتفاق حول هذه القضايا يتخذ أهميته من أنه كان عقبة رئيسية في الخلاف ولهذا فإن الوصول إليه يشكل نواة للثقة بين الطرفين·· وتبقى بعد هذا القضايا الأخرى مثل توزيع المناصب الدستورية ووضع العاصمة القومية وكذلك الحصص في توزيع الثروة، وهذه قد يحدد يوم السادس من اكتوبر الحالى موعداً لاستئناف المفاوضات حولها·
وواضح من بنود توزيع القوات أن الحركة حققت مكاسب لعلها لم تكن لتدركها لو كان نظام الحكم في السودان ديمقراطيا معبراً عن شعب السودان· ذلك لأن الوضع العالمى في تداعياته الأخيرة وانفراد واشنطن بالكلمة أضعف كثيرا من قدرات نظام الحكم القائم في السودان على المقاومة· إن كلا الزعيمين قرنق وعلي عثمان لم يتحدثا عن تعرض أي منهما لضغوط أجنبية خلال المفاوضات، ولكن الكل يعلم أن شبح الضغط الأميركي والتلويح بالعقاب كان حاضراً خلال المحادثات الاخيرة وسيظل باقيا إلى نهاية كل الجولات وحتى في المراحل التي تليها·
لقد أعلن النائب الأول لرئيس الجمهورية بعد عودته إلى الخرطوم واستقباله باعداد كبيرة من الجنوبيين والشماليين أنه ملتزم بالتشاور في المرحلة المقبلة مع كل أطراف المعارضة التي لم تشرك في المفاوضات ولن تشرك حتى المرحلة المقبلة، ولكن وعد السيد نائب الرئيس يصبح بلا مردود إذا استمر الحجر على حريات الاحزاب السياسية المعارضة ومنعها من ممارسة نشاطها في حرية تامة، كذلك إذا استمر فرض حالة الطوارئ في كل أنحاء السودان على رغم توقف صوت المدافع، أضف إلى هذا ضرورة اطلاق كل الحريات الاخرى بما فيها حرية الصحافة وحرية الاجتماع وحرية إبداء الرأى حتى يتم التشاور في جو مناسب يؤدى إلى الغرض المنشود·
أما العقيد جون قرنق فقد انتقل بدوره فور انتهاء محادثاته مع النائب الأول لرئيس الجمهورية إلى مدينة رومبيك وهي المدينة الثانية في اقليم بحر الغزال (جنوب السودان) وتقع ضمن المساحة الكبيرة التي تمكنت قوات قرنق من احتلالها قبل ان تبدأ محادثات السلام مع الحكومة قبل أكثر من عام ·أكد قرنق في لقائه بعدد من قادة تنظيمه ووسط حشد من جماهير الجنوبيين أن خيار السلام أصبح هو خيار الشعب السوداني في الجنوب والشمال وأنه لابد من العمل من أجل تحقيق ذلك الهدف مهما كانت العقبات·
ويتفق المراقبون على أن العقيد الدكتور جون قرنق مؤمن بوحدة السودان ولكن ذلك لا يعني أن كل مؤيديه واتباع حركته من الوحدويين،بل ان اتجاه الانفصال هو الغالب بينهم من حيث العدد، وتلك حقيقة تقتضي بذل كل جهد ممكن وتقديم تنازلات بينًة من الشماليين حتى تنمو وتنغرز الثقة بين الشمال والجنوب فتلك هي الضمانة الوحيدة في أن يجيء الاستفتاء لصالح الوحدة عندما يحين موعده في نهاية الفترة الانتقالية·
إن ما حدث يمثل خطوة إلى الأمام في حل الأزمة السودانية ولكن يظل حلم الشعب السوداني في العودة إلى الحياة الديمقراطية وانهاء الحكم الأحادى باقيا أملا في ان تتخطى كل القوى السياسية كل العقبات ليصبح ذلك الحلم حقيقة·