بإعلان الجنرال الأميركي المتقاعد ويسلي كلارك نفسه مرشحاً ديمقراطياً لمنصب الرئيس، تدخل المعركة الانتخابية الرئاسية القادمة منعطفاً جديداً· فكلارك يضم اسمه إلى قائمة مرشحين طويلة تشمل أسماء لامعة في عالم السياسة الأميركية· وقد وضع نفسه في موقع تحدٍ صعب، حين دخل المعركة الانتخابية متأخراً، وليس لديه الأموال لخوضها، وعليه أن يبني لنفسه جهازاً لإدارة حملته الانتخابية، وأن يقدم نفسه كسياسي قادر على التصدي لمشكلات الولايات المتحدة الداخلية والخارجية·
إن ما يشغل الساحة السياسية الأميركية هو الاقتصاد المتدهور والسياسة الخارجية، خاصة ما يتعلق بالعراق· فبالنسبة للعراق باتت الأصوات تعلو متذمرة، لأن الأوضاع التي يواجهها الوجود الأميركي تقلق الشعب وتنذر بإمكانية تنامي المعارضة·
ولكن على صعيد الحزب الديمقراطي، واستعداداته للمعركة الانتخابية القادمة فإن الديمقراطيين يتحسسون الفرصة لتحدي الرئيس بوش حول المسائل المتعلقة بالأمن القومي، وهو تحدٍ يبدو أن ترشيح كلارك لنفسه في أجوائه مناسب، آخذين بعين الاعتبار خلفيته العسكرية، وانتقاداته للطريقة التي تعاملت بها الإدارة مع عراق ما بعد الحرب·
ويجمع العديدون على أن دخول كلارك المعركة سيقوي قدرة الديمقراطيين على نقد الرئيس فيما يتعلق بسياسات الأمن القومي التي يتخذها، وسيرفع من مستوى النقاش حول الحرب على الإرهاب، وسيوجه الانتباه إلى عملية الترشيح والاختيار التي يمارسها الديمقراطيون، فهذه العملية تحتاج إلى إصلاح يشد اهتمام جمهور الناخبين بصورة أكثر إيجابية نحوهم·
إن تأثير كلارك في أوساط الديمقراطيين آخذ في الاتضاح بقوة· فوفقاً لاستطلاع رأي أجرته مجلة نيوزويك يحظى كلارك بتفوق على جميع المرشحين الآخرين، حيث أحرز في ذلك الاستطلاع 14 في المئة من الأصوات على مستوى الولايات المتحدة· وقد أوضح الاستطلاع نفسه أن كلارك يحرز نتيجة أفضل من جميع المرشحين الآخرين في مواجهة بوش·
وربما يكون مصدر تلك القوة آت من فهم كلارك لقدرته على تحدي بوش في مسائل الدفاع والأمن القومي· وبالفعل فإن المرشح الآخر القوي الذي له باع في هذا المجال ويمكنه تحدي الرئيس هو السيناتور جون كيري من ولاية ماساتشوتس الذي خاض حرب فيتنام، ولكن جون كيري لا زال غير قادر على توضيح موقفه وشرح قدراته فيما يتعلق بالعراق ومسائل الأمن القومي الأخرى·
وعلى صعيد الأمن القومي تثير مواصلة الرئيس بوش الحرب ضد الإرهاب العديد من القضايا، فما هو نوع الجيش الذي تحتاجه الولايات المتحدة لمواجهة تهديدات الإرهاب ونشر الأسلحة الفتاكة، وهل تسلك الإدارة الأميركية الاستراتيجية الصحيحة للقضاء عليه، وهل لدى الولايات المتحدة القوات الكافية لانجاز المهمة، وما هي الطريقة المثلى للحصول على تعاون الدول الأخرى؟
إن العديد من المرشحين الديمقراطيين يبنون حملتهم الانتخابية على معارضة الحرب على العراق، ولكن كلارك، بخبرته العسكرية، يجلب مصداقية أكبر مما يمكن للآخرين أن يجلبوه إلى مقولة معارضة الحرب· إن المأخذ الوحيد على كلارك بالنسبة لموضوع الحرب هو أنه قال في الأيام الأولى من حملته الانتخابية إنه ربما كان سيصوت في صالح قرار الكونجرس الذي يفوض الرئيس بشن الحرب على العراق، ثم عاد بعد ذلك لكي يسحب كلامه بسرعة ويقول إنه لم يكن ليصوت في صالح الدخول في الحرب·
إن الهفوة التي وقع فيها كلارك في مستهل حملته تعكس تواضع خبرته السياسية، ولكنها قد تكون عاكسة أيضاً لما يواجهه الديمقراطيون من صعوبة في الموازنة بين أولوياتهم في إطار محاولاتهم إظهار فلسفة حزبهم الخاصة بنبذ الحروب والدعوة إلى السلام بالإضافة إلى محاولاتهم التوجه إلى الناخبين المتأرجحين والمستقلين الذين ربما يكونون موافقين على قرار الحرب ولكن تولدت لديهم لاحقاً شكوك في قدرة الإدارة على التعامل مع مرحلة ما بعد الحرب· وحتى هذه اللحظة فإن تعليقات الديمقراطيين على منهج الإدارة الخاص بالأمن القومي لا تزال مجرد انتقادات تفتقد إلى تقديم حلول بديلة، والآمال معلقة الآن في أن يؤدي ترشيح كلارك نفسه إلى أن يصبح المرشحون الآخرون أكثر مباشرة حول ما يمكن أن يقدموه بشكل مختلف عما قدمه وقام به الرئيس بوش حتى الآن·