لا يمكن لأحد أن ينكر بأن الحلقات التي يعرضها تلفزيون أبوظبي مع وزير الإعلام العراقي السابق- محمد سعيد الصحاف تعد خبطة إعلامية للمحطة· فالرجل ظاهرة صوتية إعلامية اجتذبت العالم لعدة أسابيع لظهوره المتكرر على الشاشات العالمية إبان حرب تحرير العراق· وكان يصف الموقف العسكري على الأرض بطريقة أوهمت الكثير من الجماهير العربية بأن الأمور سائرة نحو النصر المؤزر للجيش العراقي في وجه قوات التحالف الذين كرر السيد الصحاف تسميتهم بـ العلوج ، وتناقلت الوكالات والإذاعات والتلفزيونات تصريحات الصحاف في ذلك الوقت، وتندر المتندرون بلغته وبثقته المطلقة في صحة ودقة ما كان يقوله، حتى انهار كل شيء في سويعات وبدبابتين لا أكثر في قلب بغداد، وليدخل الصحاف التاريخ من أوسع أبواب الوهم، وليحفر اسمه في ذاكرة اللاحقيقة التي تتوق لها الجماهير العربية من عقود طويلة·
والمتابع لتلك اللقاءات التلفزيونية مع الصحاف يتوقف عند عدة ملاحظات، ويطرح أسئلة عديدة·
ولعل أهم هذه الملاحظات أن الرجل يتحدث وكأنه لا يزال وزيرا للإعلام، فهو لا يزال يتبع سياسة التبرير لكل ما قام به النظام السابق من فظائع في حق الشعب العراقي وشعوب المنطقة برمتها، لا بل إنه يرى الرئيس العراقي السابق صدام حسين كشخصية ورعة ومتدينة لا ترتكب الأخطاء ولا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين أيديها·
ويتساءل المرء هنا عن سبب تمسك السيد الصحاف باللغة الصحافية نفسها التي تكلم بها عندما كان وزيرا للإعلام! وقد تناولت في ذهني تلك الأسباب الممكنة لموقف الصحاف، فقد يكون موقفه هذا نابعا من عدم تصديقه لما جرى، أو لاعتقاده بإمكانية عودة النظام السابق مرة أخرى للحكم، أو ربما لأنه يحمل خوفا مزمنا من الرئيس السابق سوف يلازمه حتى القبر، أو قد يكون تقمص دور لسان النظام السابق لفترة طويلة أنسته أية لغة أخرى، ولم يبق من العمر الكثير كي يغير لغته تلك ويتعلم لغة الحق والحقائق والوقائع على الأرض·
ولكن اللقاءات التي تمت حتى الآن مع السيد الصحاف لم تتطرق إلى أسئلة ملحة، لعل أهمها:
1- لماذا لم يكن على قائمة الخمسة وخمسين من المسؤولين العراقيين المطلوبين لقوات التحالف؟ وهل يرى في ذلك إهانة له لعدم اكتراث الحلفاء به على رغم أنه كان لسان النظام وناطقه الرسمي؟ أم أنهم رأوا دوره هامشيا لا يتجاوز الثرثرة والحديث الوهمي عن الانتصارات السرابية؟
2- هل تعتقد بعودة النظام السابق ثانية إلى الحكم؟
3- هل تقبل العودة إلى العراق لو استدعيت للشهادة-وليس للتحقيق- في محاكمات لجرائم الحرب التي ارتكبها النظام السابق؟
هذه أسئلة مهمة نرى وجوب طرحها على السيد الصحاف والإجابة عليها مباشرة دون مراوغة كلامية أثبت من خلال اللقاءات التي تمت أنه أستاذ فيها·
بقي سؤال مهم جدا: هل يعتقد السيد الصحاف أن المشاهدين لهذه اللقاءات يصدقون كلامه بعد كل ما قاله عن الانتصارات الوهمية والبطولات الأحمد سعيدية في شهر مارس الماضي وحتى صبيحة التاسع من أبريل؟ ولماذا؟ ولعل القارئ الكريم يعرف الإجابة مسبقا، وهنا السؤال الذي قد يطرحه كثير من قراء هذه المقالة: لماذا هذه اللقاءات مع الصحاف أساسا؟.