الإرهاب والفوضى السائدان حاليا في العراق يدفعان إلى الواجهة مرة أخرى ذلك التساؤل المؤرق: لماذا يكرهنا العالم العربي·· وهل بإمكاننا أن نقوم بشيء لعكس اتجاه هذا التيار؟
لشهور عدة راحت الإدارة الأميركية هناك تجرب أشكالا جديدة مما يعرف باسم الدبلوماسية الشعبية التي اشتملت على عرض أفلام فيديو تصور حياة المسلمين في أميركا، وعلى برامج ترفيهية تذيع موسيقى غربية، وإعلانات تروج للعلاقات الطيبة بين الثقافات·
والآن يأتي الدور على لجنة معينة من قبل وزارة الخارجية الأميركية تم تكليفها بإعداد توصيات لـ مارجريت تاتويلر ترشدها لكيفية صياغة استراتيجية مختلفة عندما تتولى مسؤولية شعبة الدبلوماسية الشعبية في الوزارة هذا الخريف· بيد أننا يجب أن نعرف في هذا السياق، أن كافة التوصيات والتكليفات سوف تفشل، إذا لم تأخذ في حسبانها الدروس الجوهرية المتعلقة بالطريقة التي يتواصل بها الناس في الشارع العربي·
الدرس الأول الذي يجب أن تتعلمه هذه الإدارة، هو ضرورة التفريــق بين الدبلـــوماســية -الدعاية الشعبية وبين الإعلام المستقل، وأنهما وإن كانا شيئين مفيدين إلا أن هناك فارقا بينهما يستطيع المستقبلون لهما تمييزه بدقة · لنأخذ العراق على سبيل المثال: فبعد انقضاء ستة شهور تقريبا على قيام الرئيس بوش بإعلان انتهاء عمليات القتال الرئيسية، فإن سلطة الاحتلال المؤقتة في العراق التي يرأسها بول بريمر لا تزال تفتقر إلى القدرة الكافية على التواصل بفعالية مع أغلبية الشعب العراقي، الذي لا يزال الكثيرون منه ينظرون إلى شبكة الإعلام العراقية التي أنشأتها تلك السلطة على أنها مجرد بوق للدعاية الفجة·
فالعراقيون يتشككون من آلة الإعلام العسكري الأميركي، لأنهم كما نعرف خضعوا طويلا لجرعات منتظمة من الدعاية تحت حكم صدام حسين الديكتاتوري، مما جعلهم شديدي الحساسية تجاه أي نوع من الدعاية الحكومية التي تهدف إلى ستغلالهم· لقد مارس حزب البعث سيطرة شاملة على تدفق الأخبار والمعلومات من خلال وسائل الإعلام الخاضعة للحكومة·· وكانت الأصوات والآراء الحرة تقمع بلا رحمة ، كما تعرض الكثيرون من العراقيين إلى السجن والتعذيب والقتل، لمجرد أنهم تجرؤوا على الاختلاف علنا مع نظام صدام ·
ليس هناك ما يدعو للدهشة إذن عندما يرفض العراقيون النظر باحترام إلى برامج الشؤون العامة التي أعدتها الولايات المتحدة، وأن يستمروا في تلقي الأخبار من خلال محطات إذاعية وتلفزيونية شديدة العداء للولايات المتحدة يتم بث تقاريرها عبر الحدود من إيران·
الدرس الثاني الذي يتعين علينا تعلمه بناء على ذلك، هو أن الولايات المتحدة يجب أن تتعرف على حدود الدبلوماسية الشعبية، وأن تعمل على استطلاع الاتجاهات الجديدة في العالم العربي· ففي الوقت الذي قامت فيه الأنظمة الشمولية في المنطقة بممارسة سيطرة غير محدودة على وسائل الإعلام الجماهيرية، فإن القنوات الفضائية التلفزيونية، وشبكة الإنترنت قامت بإحداث انقلاب جذري في طرق الوصول إلى المعلومات· وعلى رغم أن الأميركيين يعرفون شبكة الجزيرة فإنهم لا يعرفون أن هناك ست قنوات فضائية يملكها العرب قد بدأت بثها في الشرق الأوسط قبل إطلاق الجزيرة بأعوام· واليوم توجد في المنطقة خمسة وأربعون قناة فضائية ناطقة بالعربية، تشكل المنافسة بينها ضغطا على حكومات المنطقة يدفعها للقيام بتحرير القوانين الإعلامية وفتح الطريق أمام نمو الإعلام المستقل في العراق وفي العالم العربي بأسره·
على ضوء ذلك ، نقول إن الحاجة تدعو وزارة الخارجية الأميركية للقيام بتطوير إعلام مستقل في العراق والمنطقة، ووضع ذلك على رأس قائمة أولوياتها· فبدلا من اللجوء إلى الرقابة والدعاية المضادة يجب على واشنطن أن تستخدم السلاح الهائل الموجود في ترسانتها وهو : القيم المغروسة في التعديل الأول للدستور الأميركي· وليس من قبيل الصدفة أن الدول ذات الاتصال المحدود بالمعلومات الخارجية ووسائل الإعلام الخبرية الحرة، كانت هي نفسها الدول التي ولد فيها الإرهاب· وعلى رغم أن الأغلبية العظمى من الدول الإسلامية تعارض سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإنها تواصل مع ذلك التعبير عن رغبتها القوية في التمتع بالحريات على الطراز الأميركي·
لذا يتعين على الولايات المتحدة أن تتولى قيادة مجهود يهدف إلى تدريب وإعداد جيل جديد من الصحفيين في العراق، و في الشرق الأوسط· إن تجربة دول شرق أوروبا، وأجزاء أخرى من العالم، تشير إلى أن تقديم المساعدة لوسائل الإعلام المحلية المستقلة يعتبر طريقة حيوية لترويج الحرية والديمقراطية· فالصحفيون المستقلون هم القادرون على المساعدة في فتح المجتمعات المغلقة في العالم الإسلامي أمام تيارات الثقافة الديمقراطية· إن تعريف الصحفيين العرب بمعايير الأنباء الدولية، يمكن أن يساعدهم على تنمية عادات تقلل من حدة الأساليب التي يتبعونها في صياغة تقاريرهم· فالصحافة المحلية الأصيلة التي تتميز تقاريرها بالموضوعية ستحظى بدرجات من التقدير تزيد على تلك التي تح