ماذا بقي من ثوابت؟ بعدما صدروا لنا كل أفكار التطرف يبحثون الآن عن ثقب الإبرة لينفذوا من مآزق أوقعونا وأوقعوا ذواتهم فيها منذ أمد بعيد·
ماذا ينفع التغيير والفساد ضارب في عروق الجسد الوطني حتى النخاع، من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال والوسط سقط سهواً عمداً، وربما بفعل عوامل التعرية المقصود العبور فوقها مع سبق الإصرار والتعنت·
وكان وجودهم محمياً بافراز أولئك الذين ذهبوا نحو الإفراط حتى في التعامل مع المعطيات المتغيرة، فكان شباب تمسك بتلابيب الشكل وغاب المضمون عن مقاصده فكانت الهوة السحيقة التي صدرت التطرف نحو آفاق عديدة كانت عواقبها كل هذا القلق الذي تعيشه الأمة اليوم·
هل اكتشف الخطأ فجأة؟ أم أن الفكرة برمتها لم تعد تتماشى مع المصالح الخاصة والبعيدة عن الصالح العام الذي يعاني الأمرين من البطالة والمحسوبية والثروات السيئة التوزيع، و الانحرافات السرية المضادة لثبات القيم الشرعية·
اليوم تفتح النوافذ دون الأبواب لادعاء الاختلاف ولتكذيب الحقائق، فالأمر يزداد سوءاً، فالعلاقة الطردية بين العنف والفقر لم تكن ضمان الحسابات المستقبلية التي لا يغفلها إلا من غفل المصلحة الوطنية التي كان لابد وأن تكون الأولوية وتأتي بعدها أمور تساهم في ترتيب الأمور الثانوية الأخرى·
وقد أسقط في يد وعاظ السلاطين، فاللهجة تبحث عن مفردات حيوية جديدة، والفكر سطع فجأة من الغرب، والأحداث المتسارعة قلبت موازين الكائن وأودعت المستقبل في سجن مظلم دون بوابات النجدة، أو إشارات الخلاص·
ويبدو أن الأمور لن تنتهي بسقوط طاغية واحد، فالاتهامات تدور في أفلاك الذين تركوا أشياعهم يحكمون الفقراء بسياط السلطة والدين البريء من هذه الخوازيق المنصوبة على توزيع الطرق المتعددة باسمه وجعله المبرر لمزيد من الضحايا من البسطاء والأبرياء، كأنهم معنيون بدفع فواتير التغيير من دمائهم وفلذات أكبادهم وكأن إلقاء الأبرياء في غياهب الجب سيكون الذريعة لادعاء الرفعة والجدية في التغيير المنشود والمشكوك في صدق نواياه·
كثيرون سقطوا سهواً من مفكرين وفاعلين، اليوم أعلن أنهم أحرار من أي أقاويل أو اضطهاد أو أنهم صاروا هدفاً يبرز أن الأمور قد ذهبت نحو مزيد من الحرية·
والحقيقة الساطعة كشمس النهار أن الحرية لا تتأتى بالأوامر ولا يزج بها الخوف من فقد الكراسي ولن تكون وإن تمنح الفقير الخبز أمام عدسات المصورين لتلقي بها لقطط الشوارع بعد انتهاء العرس الدعائي·
الحرية إن لم تنشأ على مبدأ القناعة بحق الآخر في الحياة لا لزوم لها، وإن لم تكن لأنها حق إنساني صرف وهبه الخالق العظيم لعباده فلا ضرورة لادعاء أنهم أصحاب الحق في منحها من يشاءون·
والسؤال الأهم الذي يلح في الحضور، هل ستتغير العلاقة بالآخر، ألن يكون السيف أصدق أنباء من حسن النوايا التي تغلف أفعال البعض؟ هل ستذهب الحقائق نحو منابعها ونهايتها دون تغيير لمسارها لإنقاذ السلطة من سيل عرمرم يوشك على الإطاحة بأوهام الثبات وعدم امكانية التحولات·
ما زال الوضع غامضاً، وتكتنفه مظالم الملقى بهم في أدراج الاستجوابات العمياء، وكأنهم لا يرون أبعد من أنوفهم، فالحل لن يكون أبداً بمزيد من العنف المتبادل·· ألم تقل الحكمة العربية الأصيلة إن الناس على دين ملوكهم ·· نحتاج لقراءة متمعنة في كثير من الحكم والأمثال التاريخية التي لا تفتأ تحضر بين حدث وآخر.