أكد مسؤولون يهود في إيطاليا بأن رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني الذي أدلى بتصريحات اعتبروها مثيرة للجدل حول موسوليني، قد اعتذر للطائفة اليهودية في إيطاليا مرتين، لأنه قال في حديث أدلى به إلى صحفيين بريطانيين إن موسوليني لم يقتل أحداً ·
وقبل أن ندخل في حيثيات الخبر الإيطالي، نؤكد أن سويسرا اعتذرت قبل إيطاليا وأن أوروبا من شرقها إلى غربها ما زالت تعتذر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اللحظة، وأن بريطانيا الأوروبية قدمت فلسطين، على طبق من فضة لليهود، اعتذاراً·
الخبر بحد ذاته لا جديد فيه، فقد تعودنا على الغطرسة وتعودنا من العالم المتحضر أن يعتذر مسؤولوه فيما لو أخطأوا· لكن الملفت في الخبر أنه جاء في أسبوع مشت فيه تظاهرة يتيمة في مخيم صبرا وشاتيلا، في الذكرى الحادية والعشرين للمجزرة· وفي حمى الترياق الذي نعيش من شواطئ غزة إلى شواطئ دجلة والفرات، نسينا أو تناسينا ضريبة الدم التي دفعها أبرياء تجاوزوا الألف في مخيم فلسطيني في بيروت·
فبعد المحاولة اليتيمة -الفاشلة- من إحدى الضحايا الذين بقوا على قيد الحياة ولم تفرمهم آلة الحرب الإسرائيلية، وبعد رفع دعوى قضائية في بلجيكا لمحاكمة المسؤول الأول عن المجزرة وزير دفاع إسرائيل آنذاك ورئيس وزرائها اليوم آرييل شارون، غاب عن ذهن العرب من كثرة المجازر وكثرة القبور الجماعية ما حدث· وكأن الموت قتلاً وذلاً وقهراً من الأفعال المتوقعة والمقبولة في قدر كل منا·
بالنسبة للقضية الفلسطينية والانتهاكات الإسرائيلية في لبنان وفلسطين ننتظر منذ سنين أن يخرج من يطلب من إسرائيل الاعتذار وتحديداً عن المجازر· مرة لدير ياسين وأخرى لقانا ومرة لصبرا وشاتيلا وأخرى لجنين وغيرها وغيرها· لم يطلب أحد ولم تعتذر إسرائيل·
وبالنسبة لمأساة العراق، ها هم يخرجون مسؤولاً تلو الآخر يتحدثون عن الأخطاء والفواجع والمسؤوليات والخوف في السلطة· يتحدثون عما كان مسموحاً وغير مسموح به· لكن لم ينطق واحد منهم بكلمة اعتذار لهذا الشعب الذي ذاق الويل وتحمل المر وصبر أكثر مما صبر أيوب في زمانه عشرات المرات·
لماذا لم نرَ مسؤولاً عراقياً واحداً أياً كانت صفته يعتذر مرة واثنتين وثلاثاً عن جرائم ارتكبت بحق شعبه بينما كان هو يجلس متبجلاً على كرسي المسؤولية، حتى لو لم يكن هو من اقترف الجريمة أو أمر بها·
شارون وغيره من أعضاء العصابة، يسفحون يوماً بعد يوم أرواح المئات، بتخطيط مدروس ودم بارد ويقين أكبر بأن لا أحد سيحاسبهم أو يجرؤ على مطالبتهم بالاعتذار والتكفير عن جرائمهم في يوم من الأيام·
لماذا؟
السبب أبسط من أبسط القواعد، وهو أنه لا أحد يطالب بالاعتذار· والحق غير المطالب به يذوي ويضمحل ويتحول مظاهرة باب عاشر تجوب أزقة مخيم رث، مجاريره تقبل عتبات بيوته قبلة الموت·مخيم هجره من عاش المجزرة إلا قلة اضطرت إلى الالتصاق بتلك الأرض الغريبة لتبقى في عناق مع رفات أحبة·
لن نحاربهم، ولن نتغلب عليهم ولن يعيدوا لنا أرضنا وكروم عنبنا وزيتوننا ولن يرجع من مات شهيداً ومن سيموت··· حفظنا الدرس· ولكن··· طالبوهم بالاعتذار!
هل الاعتذار صعب؟ أم أن كثرة الكبت والصمت والانكسار محت من خلايا أدمغتنا فعل اطلب؟