قرار الحكومة الإسرائيلية المبدئي بإبعاد الرئيس الفلسطيني المنتخب عرفات، عكس تصعيداً خطيراً في صراع الإرادات القائم منذ وقت، والذي كان طرفاه عرفات وشارون، ليصبح صراعاً بين إرادة شارون وإرادة المجتمع الدولي برمته، الذي أدان الفرمان الشاروني أو رفضه على الأقل، من الصين والهند، إلى فرنسا وروسيا، وطبعاً مروراً بالدول العربية· وسعي الإدارة الأميركية إلى تدويل المأزق العراقي وإشراك قوات دولية وممولين آخرين فيه، عن طريق قرار جديد معروض على الأمم المتحدة، عكس هو أيضاً صراع إرادات، بلغ ذروته برفض كولن باول للتعديلات المقترحة من قبل فرنسا على صيغة القرار· وجاء هذا الرفض بلغة تعكس طريقة تفكير الإدارة الأميركية حيث قال باول: من السهل طرح نظريات لطيفة عن السيادة والاحتلال والتحرير، وكل ذلك، ولكن من الناحية العملية لا يمكن أن يحدث هذا في ذلك التوقيت · وحتى لا يكون الكلام مبتسراً أو مقطوعاً من سياقه، فإن كلمة التوقيت هنا تشير إلى اقتراح فرنسا أن تنظم انتخابات في الربيع المقبل، وأن تسلم السلطة التنفيذية في العراق إلى مجلس الحكم الانتقالي بعد شهر، وأن يهمش دور إدارة الاحتلال، تالياً· السؤال الآن هو: أي الإرادات تفرض نفسها؟! إرادة شارون طرد قائد تاريخي منتخب من شعبه، وتقويض عملية السلام من الأساس، أم إرادة المجتمع الدولي بما فيه أطراف عظمى يدين لها شارون بجميع أسباب قوته؟ إن تصريح باول المشار إليه يعبر عن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها السياسة الأميركية وهي العجرفة التي تحول بينها وبين الاعتراف بحقيقة الأمر الواقع ، بأنها في مأزق حقيقي اضطرها إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة وحلفائها الآخرين الذين تجاهلتهم سابقاً طلباً للعون ولكن بشروط أميركية محضة· وهنا المفارقة، فهل تنتصر الإرادة الأميركية وتثبت مرة أخرى أنها القوة العظمى الوحيدة في هذا العالم وأن إرادات حتى أقرب حلفائها لا يمكن أن تثنيها عما تريد؟ أم أن صوت العقل، ومرارة التجربة سيرجحان كفة المجتمع الدولي للوصول إلى توافق من نوع ما؟ كولن باول اعتبر أن المقترحات الفرنسية غير واقعية! لكن هل الواقعي أن يستمر الوضع في العراق في حالة سقوط حر متواصل لا يعرف أحد على أي وضع سيستقر؟ أعتقد أن طرح هذا النوع من الأسئلة الآن أهم بالنسبة لنا كعرب من البحث لها عن إجابات· ولا أقول هذا الكلام جزافاً، وإنما أسجله اعترافاً بأمر واقع·· واقع أن العرب غائبون عن الصورة في صراعي الإرادات كليهما·· وتكريس واقع العجز هذا عن تكوين تصور سياسي واضح، يعكس صدمة النظام العربي وعدم قدرته على الاستجابة لتحديات الموقفين بعد أن أقعده قلق اللحظة وثقل العواقب في كلتا الحالتين العراقية والفلسطينية عن التصرف أو المبادأة· لا تبدو في أيدي العرب الآن أية أوراق قوية في حين كان يفترض أن تكون كل أوراق القوة في أيديهم· فترى الجامعة العربية تضيع الوقت في مشاورات عقيمة سفسطائية حول مشاركة الوفد العراقي، أو حول شرعية أو لا شرعية إرسال قوات إلى العراق· قد تكون في هذا الكلام قسوة· ولكن الأقسى هو أن تغيب الإرادة العربية عن صراع إرادات سيؤثر في مستقبل منطقتنا وسيرسم أفقها الجيوبوليتيكي· ويفرض بالتالي إرادته عليها· وعندها سنكون حقاً خرجنا من التاريخ·